سهرة مع مجنون

✍️ محمد بن عايض :

هل سبق أن جالست مجنونا، وفهمت ماذا يريد وحاولت تتبع أبعاد تفكيره وفهم دوافعه النفسية، ربما ترى هذا ضربا من الجنون أيضا. فما الذي يضطرك إلى ذلك؟ قد تكون الصدفة، أو يكون الفضول أو لفهم غموض هذه الشخصية، وقد يكون اللقاء عابرا. وهذا الذي حدث . 

المقاهي هي أماكن عامة حيث يلتقي الناس ويتبادلون الحديث، وفي إحدى الليالي الجميلة في جدة، رأينا شخصا يمشي بشكل غريب على تراس المقهى. سألته عن اسمه، وبدأ بالحديث بشكل مشتت عن مواضيع مختلفة لا علاقة له باسمه  . 

يدخل شخص ما، ويصفه بأنه الأذكى في العالم، فاستمتع الرجل بهذا التقدير، وأكد ذكاءه. فزاد الفضول وسألته: في أي مجال تعتقد أنك ذكي؟
فخرج بنا إلى موضوعات شتى لا تمت إلى بعضها بصلة، كان الحديث مع أذكى رجال العالم كما يعتقد هو .. طريفا، ومع ذلك كنت استشعر خطر الحديث مع هؤلاء المصابين بجنون العظمة فأي لمسة لهذه الذات ولو  بغير قصد قد تواجه بردود فعل عنيفة.

وجدت نموذجاً آخر في أحد المقاهي التي أفضلها، حيث كان يتصور نفسه من الأثرياء الذين سافروا حول العالم، وامتلكوا عقارات في جزر مختلفة. والحقيقة أنه موظف بسيط  ، وبعيد عن ذلك ، فكانت هذه مجرد حالة مزيفة قائمة على الوهم والتعاسة، حين  رسم صورة مزيفة لنفسه في خياله. كنوع من جنون العظمة الفارغ .

في مكان آخر تعرفت على شخصية بصورة عابرة، وهو يؤدي دور رجل أعمال يمتلك مصانع ومشاريع ضخمة في العديد من القطاعات مثل المتاجر والمباني والصناعات المختلفة والمزارع في بعض الدول العربية. ولكن في الواقع، أن  هذا مجرد وهم  ، ُعرف هذا من خلال تناقضات الحديث ،  وشواهد الحال والقصص الخيالية  التي لايمكن تصديقها   . ذكرت  هذه الأمثلة للتحذير ، ٩ ليس للتندر أو الاستهزاء، ولكن كتحذير من سقوط  البسطاء من الناس في فخ هؤلاء الأشخاص المرضى بهذا الجنون.

يقول د . توماس أريكسون في كتابه ( محاط بالمرضى النفسيين ) ” إن المختلون نفسيا يعتمدون على ظهورهم بسلوكيات طبيعية ومظهر طبيعي  ، لكنهم ينفذون أفعالهم الخبيثة بذكاء وبحساب دون مراعاة الآخرين ، وهناك تلاعب يمارسه المختلون وأن دوافع التلاعب ،  الجنس والنفوذ ” انتهى كلامه .

إن هذا الخلل في التفكير يمكن أن يصنف على أنه نوع من الكذب أو الخيالات الجامحة ، بينما يصفه المختصون بأنه اضطراب في الشخصية غير قابل للعلاج باستخدام الأدوية أو الجراحة أو العلاج السلوكي ، وهذا النموذج يتصف بالذكاء وشيء من الجاذبية وفهم عميق للنفس البشرية ، ولذلك يمكنهم اختيار الضحية المناسبة واستغلال نقاط ضعفها .
برغم ذلك فالجلسة مع بعض هؤلاء فيها شئ من التسلية والمتعة  والضحك الذي قد  يلهي عن حقيقتهم ، وتظل الجلسة أو السهرة مع أحدهم  على كل الأحوال،  سهرة مع مجنون .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى