عَشْرُ ذي الحجة
أ. مُحَمَّد بن غُرم الله بن مُحَمَّد الزَّهراني. المدينة النبوية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
الله أكبـــــر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة واصيلا
والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحابته الأجلاء المخبتين رضوان الله عليهم أجمعين وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم برحمتك وفضلك يارب العالمين.. أمابعد :
فهذا هلال شهر ذي الحجة قد حل علينا ، وفي هذا الشهر الحرام عشرة أيامٍ في أوله هي أفضل أيام الدنيا ، والعمل الصالح فيهن خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون، أقسم الله بهن لكل ذي عقل وحِجرٍ ولُبّ،قال تعالى: *{ وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍِ }* [ الفجر: ١- ٢ ]. ذكر ابن كثير في تفسيره عن ابن عباس قوله: هي ليالي العشر الأول من ذي الحجة.
وقال تعالى: *{ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ }* [ الحج: ٢٨ ].
ونقل البخاري في صحيحه عن ابن عباس قوله في هذه الأيام أنها: أَيَّامُ الْعَشْرِ.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: *((أفضل أيام الدنيا أيام العشر))*. [ صحيح الجامع الصغير، ١١٣٣].
وفي الحديث الصحيح عن أم سلمة – رضي الله عنها – قالت :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: *( مَن كانَ له ذبْحٌ يَذْبَحُهُ فإذا أُهِلَّ هِلالُ ذِي الحِجَّةِ، فلا يَأْخُذَنَّ مِن شَعْرِهِ، ولا مِن أظْفارِهِ شيئًا حتَّى يُضَحِّيَ. )* صحيح مسلم .
في هذا الحديثِ يَقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (مَن كانَ له ذَبْحٌ يَذبَحُه) أَي: أُضحِيَّةٌ؛ كَبشٌ أو غَيرُه، وقَولُه: يَذبَحُه، أي: يُريدُ أنْ يَذبَحَه.
(فإذا أَهَلَّ هِلالُ ذي الحِجَّةِ)، أي: دَخلَ شَهرُ ذي الحِجَّةِ وثَبَتَ دُخولُه بظُهورِ هِلالِه، فعَلَى مَن أَرادَ أنْ يُضحِّيَ أَنْ لا يَأخُذَ شَيئًا مِن شَعرِه سَواءٌ كانَ شَعرَ الرَّأسِ أو شَعرَ الإِبطِ أو العانةِ، ولا مِن أَظفارِه سَواءٌ كانَ ظُفرَ يدٍ أو رِجلٍ، (حتَّى يُضحِّيَ)، أي: حتَّى يَذبَحَ أُضحيَتَه؛ وذلك احترامًا للأُضحِيَّةِ وتَشبُّهًا بالمُحْرِمِ، فكَما أنَّ المُحرِمَ لا يَأخُذُ شَيئًا مِنَ الشُّعورِ أوِ الأَظْفارِ، فكَذلكَ غَيرُ المُحرِمِ له نَصيبٌ مِن شَعائرِ النُّسُكِ، فَأَمَرَه ألَّا يَأخُذَ شَيئًا مِن شَعرِه وأَظفارِه .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: *((مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ. قَالُوا: وََلا الْجِهَادُ، قَالَ: وََلا الْجِهَادُ، إَِلا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ))*. [ صحيح البخاري،٩٦٩]. إلا: أي إلا جهاد رجل …
وفي رواية الترمذي وأبي داود: وعَنه أن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: *((مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ اْلأيَّامِ الْعَشْرِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وََلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وََلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إَِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ))*. [ صحيح سنن الترمذي، (٧٥٧)؛ صحيح سنن أبي داود، (٢٤٣٨)؛ صحيح سنن ابن ماجه (١٧٥٣).
ولتمام الفائدة، انظر جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ٦٨٦٣].
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: *((مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وََلا أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ خَيْرٍ يَعْمَلُهُ فِي عَشْرِ اْلأضْحَى، قِيلَ: وََلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: وََلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إَِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ))*. قَالَ ( أي: راوي الحديث ): وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِذَا دَخَلَ أَيَّامُ الْعَشْرِ اجْتَهَدَ اجْتِهَادًا شَدِيدًا حَتَّى مَا يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ. [ حديث حسن / صحيح الترغيب والترهيب للألباني، ١١٤٨].
قال الحافظ ابن حجر في ( فتح الباري، ٢/ ٥٣٣) : وفي الحديث تعظيم قدر الجهاد وتفاوت درجاته وأن الغاية القصوى فيه بذل النفس لله، وفيه تفضيل بعض الأزمنة على بعض، كالأمكنة، وفضل أيام عشر ذي الحجة على غيرها من أيام السنة، وتظهر فائدة ذلك فيمن نذر الصيام أو علق عملاً من الأعمال بأفضل الأيام، فلو أفرد يوماً منها تعين يوم عرفة، لأنه على الصحيح أفضل أيام العشر المذكور، فإن أراد أفضل أيام الأسبوع تعين يوم الجمعة، جمعاً بين حديث الباب وبين حديث أبي هريرة مرفوعاً: ” خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ” [ صحيح مسلم، (١٧/ ٨٥٤) و١٨/ ٨٥٤) ]، أشار إلى ذلك كله النووي في شرحه.
وقال ابن رجب الحنبلي في ( لطائف المعارف، ٥٢٠ – ٥٢١ ): وقد دلت هذه الأحاديث على أن العمل في أيام ذي الحجة أحب إلى الله من العمل في أيام الدنيا من غير استثناء شيء منها، وإذا كان أحب إلى الله فهو أفضل عنده …
ولهذا قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ” ولا الجهاد في سبيل الله “، ثم استثنى جهاداً واحداً هو أفضل الجهاد …
*(( فعن جابر رضي الله عنه، قال: قال رجل: يا رسول الله أي الجهاد أفضل؟ قال: أن يعقر جوادك ويهراق دمك))*. [ صحيح ابن حبان، ٤٦٣٩ ) … فهذا الجهاد بخصوصه يفضل على العمل في العشر … و أما بقية أنواع الجهاد فإن العمل في عشر ذي الحجة أفضل وأحب إلى الله عز وجل منها. أ.هـ.