مسكينة هي الدنيا
✍️ صالح الريمي :
كنت أقلب صفحات الإنترنت، وفي تلك الأثناء وجدت مجموعة كبيرة من الناس تشتكي الدنيا وهمومها وأحزانها ومشكلاتها والتغيير الحاصل في الحياة، وكلهم الفاصل المشترك بينهم أنهم يشتكون فقط من أجل الشكوى والتذمر والتضجر دون أن يقدموا خطوة واحدة للأمام لتصحيح الأخطاء بالتغيير المستمر وإيجاد الحلول الجذرية لشكاواهم ومشكلاتهم..
والتغير هو سنة من سنن الحياة التي أوجبها الله عزوجل على كل شيء، لأن الشيء المتغير إنما يتغير لأنه يستمد وقود حركته من متغير، فلا يوجد شيء في الكون كله ثابتٌ إلا الله سبحانه تبارك وتعالى، فإنه الحقيقة الثابتة التي لا تتغير، وكل شيء يستمد منه، فهو ثابت أيضًا لا يتغير.
ومنذ أن هبطت رسالات السماء انقسم الناس إلى فئتين متناقضتين في الفهم والنظر إلى الحياة وما فيها من مال ومتع ولذّات وعلاقات اجتماعية وارتباط نفسي بالأشياء، فأرخ القران لتلك الظاهرة بقوله :(كان النّاسُ اُمّة واحدة فبعث الله النبيِّين مبشِّرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحقّ ليحكم بين النّاس فيما اختلفوا فيه)..
تعلم كيف تهدي النور لمن حولك وإن كانت خفاياك حالكة جدًا!! ولا تتألم وتتضجر إذا أنكر أحدهم فضلك عليه، فأضواء الشوارع تُنسى في النهار.
مسكينة أيتها الدنيا بالرغم أنك ثابتة ولم تتغيري ومع ذلك يشتكون منك متناسين إنهم هم من تغيروا، فتغيرت عليهم الدنيا وزادت ظروفهم وساءت أحوالهم وتراكمت مشكلاتهم..
ومن يعمل ويجتهد ويتمنى التغيير للأحسن والأفضل ليتربع على أعلى المراتب الدنيوية، يلزمه العمل الدوؤب ليصل إلى مبتغاه وغاياته، والأكيد من يعمل لا بد أن يخطئ ويصيب، ولأننا نملك سمة البشر فالخطأ وارد ولا بد أن يعترينا بين الفينة والأخرى، يعني بصريح العبارة كلنا ذو خطأ، وخير الخطاءين من يملك الشجاعة ويعترف بخطئه ثم لا نحمل أخطائنا على الغير.
لماذا بعض الناس يرمون أخطائهم وزلاتهم على الدنيا ثم على الظروف والزمان والمكان وينسون أنفسهم وأنهم السبب الرئيسي بمتراكم الأخطاء دون تصحيح للخطأ وإيجاد الحلول المناسبة؟ ثم يردد جل هؤلاء بملء فيهم دون حياء..
بقولهم يا الله لقد تغيرت الدنيا علينا والظروف لم تسمح والوقت لم يكن مناسب والمكان لا يُؤهل للعمل!!
أقول لكم يا أصدقائي ويا أحبابي أيها العقال الكرام: صدقوني الدنيا مسكينة لم ولن تتغير ألبته، فلماذا إذًا نظلمها وتنجرا عليها؟ أليس نحن الذين تغيرنا على الدنيا فلماذا نظلم الدنيا والظروف؟
ولنسأل هؤلاء لماذا نحمل الدنيا ما لا طاقة لها في كل شيء؟ فالدنيا ثابتة ونحن متحركون، وكلما تغيرت أخلاقنا ومبادئنا تغير كل شيء حتى أصبحنا محبطين، لأننا لم نعترف بالخطأ أولاً، وثانيًا إن الدنيا ليست بعاقل حتى ندرك ونغيرها حسب أمزجتنا وأهوائنا.
*ترويقة:*
يقول مصطفى صادق الرافعي في وحي القلم:
الإسلام يقرِّر ثباتَ الخلُق، ويُوجبه، ويُنشئ النفسَ عليه، ويجعله في حِياطة المجتمع وحراسته؛ لأنَّ هنالك حدودًا في الإنسانية تتميز بحدود في الحياة، ولابد من الضبط في هذه وهذه، حتى لا يكونَ وضْعٌ إلا وراءَه تقدير، ولا تقديرٌ إلا معه حكمة، ولا حكمةٌ إلا فيها مصلحة، وحتى لا تعلو الحياة ولا تنزل إلا بمثل ما ترى من كفَّتيْ ميزان شدَّتا في علاقة تجمعهما وتحرِّكهما معًا؛ فهي بذاتها هي التي تنزلُ بالمنازل لتدلَّ عليه، وتَشِيل بالعالي لتبين عنه؛ فليكن دائمًا شعارُنا هذه الكلمة: أخلاقُنا قبل مدنيَّتِهم.
*ومضة:*
القلوب والأخلاق والنفوس والمبادئ هي التي تتغير أما غير ذلك فهو ثابت، والقرآن العظيم أعظم دستور للمعاملات عرفه الإنسان عبر العصور، حيث الآداب الربانية الرفيعة والأخلاق التي إن طبقناها لأصبحنا خير أمة أخرجت للناس، وأن أساس مشكلة تخلف المسلمين، هو جهلهم عن قوله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*