عبدالرب إدريس والتميز

✍️ محمد الشهري :

التميز مطلب النفوس العظيمة، وهو لايأتي طيعاً لأحد، فالأعمال المتميزة تبقى مكانتها رغم تباعد الأزمان، واختلاف الأوقات، ويزداد التميز تميزاً عندما يجاري أعداداً غير محدودة من الأعمال، فيخرج لنا متألقاً وله ثقله، وبقدر التأثير الذي تحققه تلك الأعمال، يمتلك أصحابها منزلة خاصة في القلوب.
وحينما نذكر هذه المؤشرات، فإن الدكتور عبد الرب إدريس أحد تلك النماذج المشرفة في تاريخ الخلود الفني، ولست هنا لأستعرض الشواهد على مكامن الإبداع في أعمال الدكتور فأكون كناقل التمر إلى هجر، فإن شئتم الاطلاع بعمق على أعمال الدكتور فأحيلكم الى كتابه “رسالة رحلتي”، ولكن استوقفتني أعمال وجدت فيها إبداعات من نوع مختلف، وهي مشاركاته المتميزة في ألحان “أوبريتات الجنادرية”، والذي كان له نصيب الأسد في عدد الأوبريتات التي أسندت إليه مهمة تلحينها، وكان لكل أوبريت بصمته المميزة والغير تقليدية.
فكان أولها أوبريت “دولة ورجال” للشاعر خلف بن هذال العتيبي وكان هذا الأوبريت هو أول أوبريت يحمل رؤية جديدة بحيث يجمع خمسة فنانين في قطعة موسيقية واحدة “كوبليه” والتي سارت على هذا النهج باقي الأوبريتات.
بعدها جاء أوبريت “خيول الفجر”، من كلمات الشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي، وكان هذا الأوبريت بصمة مميزة واستثنائية في تاريخ أوبريتات الجنادرية، بل والأوبريتات العربية والعالمية، إذ كان هذا الأوبريت بدون موسيقى، وبهوية إسلامية جمعت ثقافة العالم الإسلامي كله، بل يعتمد على الايقاعات فقط، ولكم أن تتخيلوا أوبريتاً عالمياً تجلت فيه مدارات التمكن والمهارة الفنية التي يمتلكها الدكتور، وتناول أطيافاً واسعة من مساحات التنوع بين الايقاعات الرصينة وأداء الفنانين والكورال.
ويستمر التميز بعد ذلك في أوبريت “وفاء وبيعة”، كلمات الشاعر فهد المبدل، وجاء الأوبريت بمنحنى جديد وحساس للغاية، كونه تضمن الجمع بين مشاعر الوفاء والحزن لرحيل الملك فهد رحمه الله تعالى، ومشاعر الولاء والبيعة للملك عبد الله رحمه الله، فكان غاية في الصعوبة الجمع بين تلك المشاعر في عمل واحد، فقام الدكتور بوضع تقويم واقعي للحالة، فأخرج لنا عملاً فنياً باهراً أعطى فيه كل جملة حقها المناسب لها.
بعد ذلك جاء أوبريت “وطن الشموس” والذي كان من كلمات سمو الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن، تفجرت فيه لنا الطاقات الإبداعية لمخيلة الدكتور عبدالرب، فرسم لنا أبعاداًجديدة لنهج الإبداع، فقد كان الأوبريت بشكل تحاوري مع وبين الفنانين، وخرج به عن مسار القطع الموسيقية التقليدية إلى مسارات حوارات متبادلة مع الفنانين، مع توازن عجيب لمفردات النص، خرج لنا عملاً فنياً وطنياً ابداعياً.

لامناص من القول بأن جملة الأعمال التاريخية للدكتور عبدالرب إدريس بصوته وبأصوات الفنانين والفنانات الذين تعاونوا معه تبرز لنا الإحترام الذي تُكنُّه للمتلقي، كما يتضح الإخلاص والجهد وعدم الرضا إلا بعمل في غاية الجودة مع التمكن، تلك العوامل شكلت أعمالاً خالدة تعاطت مع أسماعنا وقلوبنا بنتهى الجمال.

هنيئاً لنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى