مبدأ
✍️منصور جبر :
يفترس الضرغام فريسته، ويلتهم منها غذاءه، ثم يربض ساكنا تمر بجواره الغزلان بكل أمان، إنه المبدأ، فلا يأكل فوق طاقته .
تحلق الطيور صباحا تبحث عن رزقها وترفرف وتزقزق وترقص في السماء بأسرابها البديعة، وتعود مساء لتنام، فهي لا تسهر أبدا، إنه مبدأ ساعتها البيلوجية الذي لا تخالفه .
تهيج الرياح وتسوق أمامها غماما مختلفا ألوانه، يحمل جبالا من الأمطار والبَرَد، فلا تخالف مشيئة الخالق، بل تنزل بِقَدْرٍ وبِقَدَر، وفق مبدأ مُتقن.
تتحايل الأسماك في البحار، وتنساب بسهولة ويسر، تأكل ما تريد، وتتصرف كما تشاء، تلهو وتلعب وتهرب وتفترس، كل ذلك بمبدأ لا تحيد عنه.
تُلقي نواة تمر في الأرض، فتسوقها المبادئ، فتنمو وتنتصب نخلة سامقة باسقة قوية رشيقة، تحمل في صدرها رُطبا جَنِيّاً بمبدأ ثابت، فلا تعطي إلا رطبها الذي كتبه الله.
يتسخ منزلك ببقايا طعام فينهال عليك النمل من كل مكان، سواء كنت في طابق منزلك الأرضي، أو في أعلى طابق في أعلى مبنى في المدينة، إنه مبدأ يتناغم مع سنن الكون وخَلْقِه.
تنظر الشمس إلى القمر كصغيرها المدلل، {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر، ولا الليل سابق النهار، وكل في فلك يسبحون}، إنها سلسلة من المبادئ التي لا يحيدون عنها.
مجرّتنا العملاقة، تجول في هذا الكون العظيم، وبجوارها جاراتها من المجرات الهائلة، يُولدون، ويكبرون، ويبتعدون، ويتحدون، كل ذلك وفق مبدأ يريده الله.
نطفة تهتز في رحم أنثى، فتتشكل، وتتهيأ، وتَتَخَلَّق، وتدب فيها الروح، وتكتسي عضاما ولحما، ثم يخرج طفلا صارخا تبكي أمه فرحا برؤيته، كل ذلك وفق مبدأ دقيق.
يزحف ويحبو ويقف ويمشي ويركض ويتعلم ويكدح ويتزوج ويسقم ويموت، في كل لحظة يسير بمبدأ.
يجتهد طالب ويذاكر فينجح بمبدأ.
يهمل طالب ويتقاعس فينال جزاء إهماله، وهكذا يكون المبدأ.
يحرص في عمله، ويخطط، ويُبَكِّر، ويَبْتَكِر، ويتوكل، فتنمو تجارته ويصير رجل أعمال مرموق، قاده المبدأ.
ينساق وراء ملذاته، ويهيم خلف شهواته، تتناهشه أنياب قرناء السوء، وتتناوشه مخالب الوهم، فيَتَرَدَّى ويسقط، وذلك مبدأ.
كل ذرة في هذا الكون تسير وفق مبدأ.
مبادئ لا تتعداها، ولا تتجاوزها، ولا تخالفها.
تبتسم لطفل فيحبك بمبدأ.
تصب رذاذ ماء لزهرة جميلة فتعطيك عبيرها بمبدأ.
تترفق بفيل ضخم فيرضخ بين يديك لمبدأ.
تؤذي حية في جحرها فتقفز عليك لتنتقم منك لتحقق مبدأ.
تجرح مشاعر إنسان فيحمل في قلبه حُزنا لمبدأ.
تتفق تلك المبادئ مع سنن الكون ونواميسه، وتتلاءم تماما مع قوانين الحياة العلمية والعملية والقدرية والأزلية التي كتبها الله بقوله كن.
قامت الدنيا على مبدأ، وخَلقَ اللهُ الخلائق لمبدأ، وجَرَت الحياةُ لمبدأ، ثم تتلاشى وتقف غدا لتُسأل عن مبدأ.