يجود على مقدار نفسه

✍️عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون :

خرج عبيد الله بن العباس مرة من المدينة يريد معاوية في الشام، فأصابته سماء، فنظر إلى نويرة عن يمينه، فقال لغلامه: مل بنا إليها.
فلما أتياها إذا رجل شيخ، وإذا هيئة رثة، ونعم مهازيل، فقال له: أنخ؛ إنزل. ودخل الشيخ على امرأته فقال: هيئي لي عنزك حتى أقضي بها ذمام هذا الرجل، فقد توسمت فيه الخير؛ فإن يكن من مضر فهو من بني عبد المطلب، وإن يكن من اليمن فهو من بني آكل المرار .
فقالت له: قد عرفت حال صبيتي، وأن معيشتهم منها؛ وأنا أتخوف عليهما الموت،
فقال: موتهم خير من اللؤم.
ثم قبض الشاة؛ فأخذ الشفرة، وأنشد:
قريبتي لا توقظي بنيه
. إن يوقظوا ينسحبوا عليه
وينزعوا الشفرة من يديه
. أبغض هذا أن يرى لديه
ثم ذبحها وكشط جلدها، وقطعها أرباعاً، وقذفها في القدر حتى إذا استوت ثرد في جفنة؛ فعشاهم ثم غداهم.
وأراد عبيد الله الرحيل، فقال لغلامه: ارم للشيخ ما معك من نفقة؛
فقال: ذبح لك الشاة فتكافئه بثمن عشرة أمثالها؛ وهو لا يعرفك…!
فقال: ويحك…! إن هذا لم يكن يملك من الدنيا غير هذه الشاة، فجاد لنا بها، وإن كان لا يعرفنا فأنا أعرف نفسي، ارم بها إليه.
فرماها إليه، فكانت خمسمائة دينار.
ثم ارتحل عبيد الله، فأتى معاوية، فقضى حاجته، ثم أقبل راجعاً إلى المدينة، حتى إذا قرب من ذلك الشيخ قال لغلامه: مل بنا ننظر إليه كيف حاله،
فانتهيا إليه، فإذا برجل سري عنده نار ودخان عال ورماد، وإبل كثيرة وغنم؛ ففرح بذلك، وقال له الشيخ: انزل بالرحب والسعة، فقال له عبيد الله: أتعرفني…؟
فقال: لا والله، فمن أنت…؟
فقال: أنا نزيلك ليلة كذا وكذا، فقام إليه فقبل رأسه ويديه ورجليه، وقال: قد قلت أبياتاً؛ فاسمعها مني…
فقال: هات، فأنشد:
توسمته لما رأيت مهابة عليه
. وقلت المرء من آل هاشم
وإلا فمن آل المرار فإنهم ملوك
. عظام من كرام أعاظم
فقمت إلى عنز بقية أعنز
. لأذبحها فعل امرىْ غير نادم
فعوضني عنها غناي ولم تكن
. تساوي عنزي غير خمس دراهم
فقلت لأهلي في الخلاء وصبيتي
. أحقا أرى أم تلك أحلام نائم
فضحك عبيد الله، وقال: أعطيتنا أكثر مما أخذت منا، يا غلام، أعطه مثلها،
وبلغت فعلته معاوية فقال: لله در عبيد الله؛ من أي بيضة خرج…! وفي أي عش درج…! هذه لعمري من فعلاته.

Related Articles

Back to top button