الأمين المساعد لمجمع البحوث الإسلامية من خطبة الجمعة بالإسماعيلية: مبادئ العمل وحقوقه في الإسلام وثيقة تضمن صلاح المجتمعات
الإسلام وضع مبادئ وحقوق تضمن حق العامل ومصلحة صاحب العمل وتحقق صلاح المجتمع
العمل في الإسلام ليس مجرد وسيله لكسب العيش بل عبادة يثاب عليها العبد ومسؤولية تجاه الحضارة الإنسانية
الإسلام لا يرضى لأهله أن يكونوا عالة على الناس، ولا لمجتمعاته أن تكون عالة على الأمم
كتبت – حسناء رفعت
في بداية الخطبة أكد فضيلة الدكتور محمود الهواري، الأمين المساعد لمجمع البحوث الإسلامية أن التاريخ لم يعرف دينا متوازنا كالإسلام، استطاع أن يوفق بين مطالب الروح والجسد، وجمع في شريعته بين مقومات الدنيا وأسباب الآخرة، ولم يفرق بين العقل والقلب، وربط بين العلم والعمل، ومن اختزل هذا الدين في مجرد تسابيح وأوراد فقد أساء فهم مقصد الدين الحقيقي وغايته العليا.
وأوضح الأمين المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، خلال خطبة الجمعة بمسجد أبو بكر الصديق بالإسماعيلية، أنه ينبغي أن يفهم أن الإسلام كما أمر بتسوية الصف في الصلاة، فقد أمر أيضا بإصلاح جنبات الحياة، إشارة إلى مقاصده في إصلاح أمر العبادة وأمر الدنيا، ولا غرو في ذلك، فنحن أمة مأمورة بحمل الخير للناس، قال تعالى: «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله» فكيف تحقق الأمة قيادتها وريادتها وسيادتها بلا عمل؟ وكيف تحمل الأمة الخير للناس بلا سعي؟
وإن الإسلام يأمر بالعمل والسعي، قالَ تعالي: { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ }، قال ابن كثير رحمه الله: أي فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وترددوا في أقاليمها وأرجائها، في انواع المكاسب والتجارات، واعلموا أن ذلك لا يجدي عليكم شيئا إلا أن ييسره الله لكم، ولهذا قال وكلوا من رزقه.
وبين الهواري أن من التوازن في مقاصد الإسلام أنه قرن بين معنى الإيمان وما يقتضيه هذا الإيمان من عمل وسلوك، ففي الصحيحين من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم قال: «الايمان بضع وستون أو قال بضع وسبعون شعبة فاعلاها قول لا إله إلا الله وادناها إماطة الأذى عن الطريق»، وفي هذا الملمح الجميل من الربط بين الإيمان بالله وعمارة الأرض، دليل على أن الإسلام لا يرضى لأهله أن يكونوا عالة على الناس، ولا لمجتمعاته أن تكون عالة على الأمم، وقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: «لأنْ يأخذَ أحدُكم حبلَهُ على ظهْرِهِ فيأتي بحزمةٍ منَ الحطبِ فيبيعُها فيكُفَّ اللهُ بها وجهَهُ خيرٌ مِنْ أنْ يسألَ الناسَ أعطوْهُ أوْ منعوهُ»، وفي رواية أخرى يقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيدِه ، لأن يأخذَ أحدُكم حبلَه فيحتطبَ على ظهرِه خيرٌ له من أن يأتيَ رجلًا أعطاه اللهُ من فضلِه ، فيسألَه أعطاه أو منعه».
وأشار الهواري إلى الرسائل النبوية في قيمة العمل وأهميته كثيرة، منها أن العمل مهما كان بسيطا فإنه يعزز كرامة الإنسان ويكفيه عن سؤال غيره، حتى لو كان العمل لا يلبي جميع احتياجاته، فلا يتصور أن حزمة الحطب تكفي صاحبها، وتلبي حاجاته، ولكنها تعفه وتحفظه من السؤال، كما أن الإنسان يجب أن يكون صاحب عطاء، كون العطاء يعزز التكافل المجتمعي بين أفراده، وينمي الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين، فالإنسان مهما كان دخله يجب أن يساعد المحتاجين إيمانا منه أنه يقدم واجبا دينيا وإنسانيا، كما أن العمل يسهم في القضاء على الأمراض المجتمعية مثل الحقد والحسد على الآخرين.
وأضاف الأمين المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، أن الإسلامِ صبغَ أعمالَ المسلمِ – دنيويةً أو أخرويةً – بصبغةِ العبادةِ إذا أخلصَ فيهَا للهِ سبحانَهُ وتعالَي، فالرجلُ في حقلهِ، والصانعُ في مصنعهِ، والتاجرُ في متجرهِ، والمدرسُ في مدرستهِ، والزارعُ في مزرعتهِ،… إلخ ، كلُّ هؤلاءِ يُعتبرونَ في عبادةٍ وجهادٍ، إذا ما أحسنُوا واحتسبُوا، وقد مدحَ الشرعُ هؤلاء، قالَ تعالي: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّه وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، ويقولُ الإمامُ القرطبيُّ في تفسيرهِ لهذهِ الآيةِ: «سوّى اللهُ تعالَي في هذه الآيةِ بينَ درجةِ المجاهدين والمكتسبين المالَ الحلالَ، فكان هذا دليلًا على أنّ كسبَ المالِ بمنزلةِ الجهادِ لأنَّهُ جمعَهُ مع الجهادِ في سبيلِ اللهِ»، وهو ما أكده الرسولُ ﷺ لأصحابهِ، فحين مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ رَجُلٌ، فَرَأَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ جِلْدِهِ وَنَشَاطِهِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:”إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ».
وبين الهواري أنه قد بلغت عناية الإسلام بالعمل، أنه لا يقر التقاعد، ولا ترك العمل تحت اي اسم، ولذلك يدفعُنَا النبيُّ ﷺ دفعًا إلى سبل السعي حتى عندَ قيامِ الساعةِ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ ؛ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا، فليغرسها»، وبالغت هذه العناية الإسلامية في أهمية العمل ولو لم يكنْ الإنسانُ في حاجةٍ للعملِ، لكان عليه أنْ يعملَ للمجتمعِ الذي يعيشُ فيهِ،.يُروَى أنَّ رجلًا مرَّ على أبي الدرداء الصحابِيّ الزاهدِ – رضي اللهُ عنه- فوجدَهُ يغرسُ جوزةً، وهو في شيخوختهِ وهرمهِ، فقالَ لهُ: أتغرسُ هذه الجوزةَ وأنت شيخٌ كبيرٌ، وهي لا تثمرُ إلّا بعدَ كذا وكذا عامًا ؟! فقال أبو الدرداء: وما عليَّ أنْ يكونَ لي أجرهَا ويأكلُ منهَا غيري، وأكثرُ مِن ذلك أنَّ المسلمَ لا يعملُ لنفعِ المجتمعِ الإنسانيِ فحسب، بل يعملُ لنفعِ الأحياءِ، حتى الحيوانِ والطيرِ، والنبيُّ ﷺ يقولُ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ» [البخاري].
وفي ختام الخطبة طالب الأمين المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، كل إنسان أن يتمسك بآداب العمل وأن يلتزم بها لأنه مؤتمن فيما يقوم به، ومن أهم آداب العمل، التي ينبغي أن يتخلى بها الإنسان، إتقانُ العملِ: وهو أنْ يؤدَيَهُ عَلَى الوجهِ الأكمل، قال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ»، ومنها أيضا ألا يخلف الإنسان وعده، فلا يضرب لصاحب العمل موعدا ويخلفه؛ لأنَّ إخلافَ الوعدِ مِن علاماتِ النفاقِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ” آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ “.(متفق عليه)، ومن آداب العمل ترك الغش والخداع، فلا يغش الإنسان في صنعته أو حرفته أو وظيفته، قال رَسُول اللهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»، كما أوصى أصحاب الأعمال، بحقوق العمال ومن أهمها: استيفاءُ الأجرِ كاملا بلا مماطلة ولا محاولة انتقاص منه، فقد حثَّ النبيُّ ﷺ على تعجيلِ أجرةِ العاملِ فورَ انتهاءهِ مِن عملهِ، فقَالَ ﷺ: «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ، قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ»، ومن الحقوق أن يعامل أصحاب الأعمال العمال والموظفين معاملة إنسانية راقية، ولا يكلفه ما لا يطيقُ: إعمالًا لقولِ اللهِ تباركَ وتعالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا}، وقولِ الرسولِ ﷺ: «إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ».