فن الحياة

قصة قصيرة

✍️ وفاء عرفة :

جلست فريدة فى شرفتها الأنيقة التى يفوح منها، الريحان و الياسمين فهما جزء من مجموعة كبيرة من النباتات المزروعة،منها أيضاً بعض الورود مختلفة اﻷلوان، ويخيل لك من الوهلة اﻷولى أنك فى حديقة بديعة المنظر و عبق رائحتها يملأ المكان، يزيدها جمالاً على جمالها إنها تطل على البحر مباشرة، منذ فترة إعتادت فريدة أن تستقبل بداية يومها الجديد فى هذا الطقس الساحر و تحتسى قهوتها المعتادة، و هى تنظر إلى البحر المواجه لشرفتها، تتأرجح بهدوء على مقعدها الهزاز، الشمس مُشرقة و صوت العصافير يُغرد حولها فى تناغم بديع للطبيعة الخلابة،ةالعصافير تلتقط حبات القمح، التى إعتادت فريدة وضعها، كل صباح للطيور العابرة فى سلام.
السيدة فى العقد الخامس من عمرها، حباها الله بجمال هادئ فى الشكل، و جمال فى الروح و شباب دائم تحياه من أعماقها، فهى تؤمن بأن العمر هو ما نشعره من داخلنا، و ليس بعدد سنوات الميلاد، بوجه عام فريدة تتميز قلباً و قالباً بجمال من الطابع الراقى،
أخذت فريدة رشفة من فنجانها و تنهدت قليلاً، ثم شردت فى هدوء و صمت، ناظرة إلي البحر كاتم أسرارها و صديق رحلتها الحميم ، مرت أمام عينيها حياتها كاملة، كأنها شريط سينمائى تشاهده عن بُعد، رغم أنها لعبت فيه دور البطولة ذهبت لسنوات بعيدة حيث البداية.
شابة جميلة، متعلمة، مثقفة، قوية، تحتضن الدنيا بذراعيها،أحلامها تعانق السماء و اﻷمل يلمع كالبريق في عينيها التي تشبه لون البحر، تملك زمام أمرها و تعلم جيداً أهدافها فى الحياة، قوية و كتومة تعرف كيف تدير حياتها، لا تلجأ لأحد تعودت تحمل المسئولية، و أن يؤخذ منها المشورة و النصح و أغلب الوقت هى قدوة و مثال يحتذى به.
داعبت فريدة خصلات شعرها، و هى تفكر كيف سارت بها الحياة؟! و كيف مرت بها كل سنوات العمر، إبتسمت قليلاً و هى تتذكر!! كم أعطتها الحياة الكثير، و أخذت منها أيضاً، واجهت صعاب و مرت عليها أيام يسيرة، تلك هى طبيعة الحياة. لكنها فى كل اﻷحوال واصلت و تعلمت جيداً..
فن الحياة. نعم..الحياة لها صنعة و فن لتعرف كيف تواجهها كما ترغب، و ليس كما تسير بك.
واجهت فريدة المواقف بحكمة، و قوة، و صلابة، ما نسيت يوماً أن تتعلم من تجاربها، و اﻷهم تعلمت أن الإنسان مهما بلغت به القوة الفطنة، لابد أن ينحنى أحياناً، حتى تمر رياح عواصف الحياة، فيشتد عوده، و يكمل الإبحار بسفينة رحلته فى الحياة، و مهما واجهته أمواج عاتية عليه أن يقاومها، بالصبر و الجلد ثم تذكرت أيضاً، كم كانت رحلتها جميلة و مثمرة، و أدت فيها رسالتها، على قدر الإمكانات المتاحة لها، حاولت جاهدة أن تُتمها بنجاح، رغم بعض الصعوبات المنهكة للنفس، و أيام و ليالى من القلق حيال موقف أو حتى ضائقة، ما أصعب إتخاذ بعض القرارات المصيرية، ثم تذكرت الحيرة وقتها و هى تبتسم كم كانت وقتها تعانى و كأن الكون كله توقف، ثم تمر بعده اﻷيام و كل صعب يصبح سهلاً يسيراً، علمتها الحياة الصبر و الحكمة و أن لا شئ أقوى من إرادة اﻹنسان، إذا أصر علي مواصلة الطريق مهما صادفته عقبات سينتصر فى النهاية، و سيحقق أحلامه مهما تصور إنها مستحيلة، ستمضى اﻷيام و يسعد بنجاحه، فى مواجهة تحدياتها، خاصة عندما يرى أمام عينيه ثمرة نجاحه و يشعر بالرضا، أنه أتم رسالته عل أكمل وجه، رغم تنازله عن بعض حقوقه من أجل من يتحمل مسئوليتهم..
تنهدت فريدة بمنتهى الحكمة مستدعية كل منحنيات رحلتها، و شعرت بالفخر فى قرارة نفسها، لقد كانت على قدر المسئولية دون كلل أو ملل، و سألت فريدة نفسها: ماذا تفعل لو عاد بها الزمن؟؟ أجابت بصوت تسمعه و إبتسامة جميلة قائلة: إنه قدر أصحاب المسئولية لا يتنصلوا عنها أبداً. ً
عاودت النظر مرة أخرى من أعماقها إلى البحر، و تذكرت كم كانت تذهب إليه، بحمول تُثقل كاهليّها، ثم تلقى بها فى أحضانه الفسيحة، و بين طيات أمواجه المتتالية تَبُث إليه شكواها، ثم ترمى على شاطئه و رماله ما يعكر صفوها، و تعود صافية، خفيفة، فى رشاقة الفراشة الجميلة، كأنها ولدت من جديد، تعاود اﻹبحار بسفينتها فى بحر الحياة، بمنتهى الرضا و اليقين.
هى حقاً تعشق البحر، و تشعر أنه يبادلها العشق، ها هى اﻵن تشعر بالسعادة و الفخر لما آلت إليه حياتها بكل ما فيها، و بإبتسامة جميلة عادت تكمل قهوتها، و تنظر للعصافير، و هى تشاركها الصباح المُشرق، تُغرد و كأنها تشكرها، على حبات القمح، طعامهم اليومى، المعتاد الشهى . 

عادت فريدة تهتز و تتأرجح علي كرسيّها الهزاز ، ثم أفاقت فريدة من حديثها الطويل مع ذكريات رحلة العمر مع نفسها، على قبلة فوق جبينها، و صوت رنان، تآلفه و تسعد به دوماً.
قائلا: صباح الخير يا ست الكل،
إستدارت خلفها مبتسمة بكل الحب،
مجيبة: صباحك جميل يا قلب ماما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى