“تكميم المعدة نموذجًا”.. دراسة عن عَمَلِيَّاتِ التَّجْمِيل مقدمة للمجمع الفقهي الإسلامي، التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة

 

 

 

نَقْرُ الإزْمِيلِ في عَمَلِيَّاتِ التَّجْمِيل

في ميزان الشرع الإسلامي

“تكميم المعدة نموذجًا”

 

دراسة مقدمة للمجمع الفقهي الإسلامي

التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة

 

إعداد

أمين صالح كشميـــــــري

أستاذ علم وظائف الأعضاء (متقاعد)

عضو لجنة اليونيسكو الدولية للأخلاقيات الحيوية سابقًا

الرئيس المؤسس لمركز الأخلاقيات الطبية بمستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض سابقًا

الرئيس المؤسس لقسم الأخلاقيات الطبية الحيوية بمركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية سابقًا

رئيس تحرير مجلة منتدى أوكسفورد للبحوث

 

مكة المكرمة ـ جمادى الأولى 1444هـ

 

 

 

 

 

توطئة

تسارعت في العقود الماضية وتيرة عمليات التجميل الطبية، كَمًّا وكَيْفًا، بشكل لافتٍ للنظر، وأخذت تغطّي مناطق في الجسم تجعل التساؤل مبرَّرًا عن أيها تمليه الضرورة وأيها تحرِّكُه الأهواء.

ولعل من أبرز مظاهر التفاوت في المفهومين التداخل في المسميات المهنية التي تتفرع عن هذا النوع من العمليات الطبية، إذ يجد الباحث في أدبيات الجراحات الطبية طيفًا من المسميات، من بينها:

  1. الجراحة التي تهتم بالبعد الجمالي في الإجراء التدخُّلي الطبي، ولذلك يطلق عليها الجراحة الجَمَالية “Aesthetic Surgery”، مترجمةً عن الأصل الأجنبي في الجذور اليونانية القديمة (αἰσθητικός aisthētikós)، ومدلولها اللغوي هو “الحس والإدراك”، وفي ذلك إشارة إلى أن هذا النوع من التدخُّل يُقصَدُ به مخاطبة الوجدان الذي يتذوّق الجمال.
  2. الجراحة التي تَعْمد إلى إعادة تصحيح تراكيب معينة في الجسم اعتراها التشوه خلقيًّا أو مرضِيًّا، ولذلك يطلق عليها الجراحة الترميمية (Plastic Surgery)، وهذا المسمَّى لا علاقة له باللدائن (البلاستك)، بل إن الكلمة في جذورها اليونانية القديمة (πλαστός) (Plasty) ذات مدلول يشير إلى القولبة أو إعادة التشكيل (Molding). وفي المفهوم الطبِّي المعاصر يعني المصطلح التدخل جراحيًّا لتصحيح تركيب أو وظيفة جزءٍ ما في الجسم، داخليًّا أو خارجيًّا.
  3. الجراحة التي تعمد إلى إعادة تشييد جزءٍ ما في الجسم اعتراه التلف بسبب حريق أو حادث مثلًا. لذلك يطلق على هذا النوع اسم جراحة “إعادة التشييد” أو “إعادة البناء” (Reconstructive Surgery)

 

وقد تتداخل المسميات حتى في بعض النصوص المعتد بها كالبحوث والكتب العلمية، بل وحتى في مسميات بعض الهيئات التي تمارس هذا الفرع من الطبابة، مثل

“الجمعية الأمريكية لجراحة إعادة التشييد والجراحة الترميمية”

“American Society of Reconstructive and Plastic Surgery”

ومقرها في نيوجيرسي بالولايات المتحدة الأمريكية

ISAPS – About the International Society of Aesthetic Plastic Surgery (ISAPS)

أنواع الجراحات ذات الصلة بهذه المسميات

من بين أنواع الجراحات التي شاع إجراؤها في الوجه هناك:

  • البوتوكس
  • رفع الخدَّين
  • التقشير الكيميائي
  • جراحة الذقن
  • تجميل الأسنان
  • سنفرة الجلد

 

 

أما في الجسم فهي تتناول على سبيل المثال لا الحصر:

 

ويلاحظ أن القائمة تضم في أغلبها تدخلات طبية تهدف إلى إحداث بُعْدٍ جماليٍّ، لذلك فهي تنتمي إلى الفئة الأولى المذكورة في التصنيف أعلاه تحت مسمى .Aesthetic Surgery

 

المدلولات الإحصائية

تشير الإحصائيات إلى أن أغلب حالات التدخل التجميلي تطلبها النساء، مثل التدخل الجراحي لتصغير الشفرين المهبليين الصغيرين، حيث سجلت في بريطانيا في عام 2016 زيادة بنسبة 45% في هذا الشأن عن العام الذي سبقه، فكان بذلك أكبر طلب تدخل جراحي تجميلي، إذ إن حجم الأشفار المهبلية لا تعد حالة مرضية. يلي ذلك من حيث حجم الطلبات النسوية شد أجزاء من الجسم وتضخيم الثديين بحشوات السليكون. وجميعها حالات في غالبها تنشد تحسين الشكل، وليست علاجًا لأمراض. بل إن أداء بعض التمارين الرياضية واتباع حمية مناسبة كفيلان بإحداث تحسن، بدون اللجوء إلى التدخل الطبي أساسًا.

وعلى مستوى العالم سجلت طلبات النساء عام 2016 نسبة تفوق 86% في التدخل الطبي التجميلي إجمالاً بما في ذلك شفط الدهون. أما الرجال فكانت نسبة طلبهم حوالي 14%، وتتراوح غالبًا بين تعديل الأنف وإزالة دهن الثديين وزراعة شعر الرأس. Wayback Machine (archive.org)

هذا ويرى بعض أهل الاختصاص أن من بين عمليات التجميل هناك ما هو أشد خطورةً من سواه، من ذلك على سبيل المثال:

أخطر 3 عمليات تجميلية والخطوات التي يمكن أن تخفف من مخاطرها:

 

·       جراحة تجميل الفك

يزداد الإقبال على هذه الجراحة خاصة بين الفنانين والفنانات الذين يقومون بتعريض الفك الأسفل وتغيير شكل الذقن عند الحاجة. من أبرز المخاطر التي يمكن أن ترافق الجراحة في هذه المنطقة الحساسة من الوجه، تعرض الأعصاب للتلف مما يحد من قدرة الوجه على التعبير، بالإضافة إلى ظهور ندوب يصعب إخفاؤها وكدمات ناتجة عن تجمعات دموية خارج الأوعية. وقد تترافق هذه العملية مع حدوث نزيف، جلطات، أو وفاة نتيجة خطأ في التخدير. وتزداد نسبة هذه المخاطر لدى المدخنين أو عند المعاناة من مشاكل في الأوعية الدموية.

 

·       جراحة شد الجسم

هي واحدة من أخطر العمليات التجميلية كونها تطال الترهلات في مناطق البطن، الأرداف، والفخذين في الوقت نفسه. وهي تساعد أيضاً على إزالة الدهون المتراكمة في هذه المناطق، وتؤمن شد الجلد.

تتطلب هذه الجراحة البقاء عدة ساعات تحت التخدير، ويمكن أن تعرض من يخضع لها لمضاعفات في القلب والأوعية الدموية. أبرز المخاطر التي يجب معرفتها قبل إجرائها هي: حدوث نزيف أثناء الجراحة والوفاة نتيجة خطأ في التخدير. أما المضاعفات التي تظهر بعد الجراحة فتمتد من الألم، والانتفاخ، والتورم إلى صعوبة التئام الجروح، خاصة لدى المدخنات واللواتي يعانين من مرض السكري.

 

·       جراحة شفط الدهون

هي من العمليات التجميلية الشائعة جدًا، كونها تؤمن مفعولاً منحفًا سريعًا. وهي تعتمد على شفط الدهون الزائدة في الجسم من مناطق البطن، الأرداف، الفخذين، الذراعين، العنق، والذقن. إن سوء تطبيق هذه الجراحة قد يؤدي إلى حدوث تشوهات في الجلد، وهي قد تترافق مع نزيف وتترك كدمات وأورامًا تحتاج إلى وقت لتزول. كما يمكن لهذه العمليات أن تسبب التهابات ومشاكل في القلب والكلى.

 

3 عمليات تجميل هي الأكثر خطورة.. تعرف عليها (alarabiya.net)

10-12-2022

 

 

 

  • الخسارة المادية

وتهيمن الإجراءات التجميلية غير الجراحية، كعمليات الحشو أسفل الجلد وإزالة الشعر بالليزر والبوتوكس، على سوق عمليات التجميل الذي كانت تقدر قيمته قبل عشر سنوات بنحو 2.3 مليار جنيه إسترليني في بريطانيا. لذلك فهي تصنَّف على أنها سوق رائجة يكون مصدرها جيب المريض.

قواعد صارمة لاستخدام الجراحات التجميلية في بريطانيا – BBC News عربي

 

القياس على عمليات تكميم المعدة

أولًا: من حيث التصنيف

هذه العمليات التي يطلق عليها في المصطلح الطبي المهني (Gastric Sleeve Surgery) يمكن تلخيصها في أن التدخل الجراحي يعمد إلى قص أجزاء من المعدة بشكل طوليٍّ غالبًا، ثم إعادة رتق الأجزاء المتبقية منها، والتي تتخذ عندئذٍ شكل أنبوب ضيق يُطلق عليه اسم “الكُم Sleeve”، ومن هنا جاءت تسمية العملية “تكميم المعدة”.

نتيجة لهذا التدخل الجراحي الانتهاكي يتقلص حجمها بحيث لا يتسع إلا لحوالي 20% فقط من الكمية التي كانت تستوعبها من الطعام والشراب قبل العملية. ويترتب على هذا الانخفاض في كمية الطعام والشراب فقدان في وزن الجسم.

هنا يبرز السؤالان اللذان بموجبهما يمكن تصنيف العملية:

السؤال الأول: هل أُجْرِيَت العملية لغرض إنقاص الوزن فقط بدون أن يرتبط ذلك بِعِلَّةٍ صحية أيًّا كانت؟

الرد على هذا السؤال بالإيجاب يجعل العملية تُصَنَّف في خانة التجميليات.

السؤال الثاني: هل أُجْرِيَت العملية لسبب صِحِّيٍّ تكون عِلَّتُه السُّمنَة، ويُرْجَى بُرْؤُه بزوالها؟

الرد على هذا بالإيجاب يقود إلى سؤال آخر:

السؤال الثالث: هل عملية التكميم هي الوسيلة الوحيدة لإنهاء علاقة العلة بالسبب؟

الرد على هذا السؤال بالإيجاب المؤكَّد المدعَّم برأي أطباء موثوقين يُدْخِل المسألة في نطاق الضرورة، والضرورة تقدّر بقدرها، بحيث تستعمل حتى تزول الضرورة، وبذلك أفتى بعض أهل العلم (انظر الشيخ محمد بن صالح العثيمين في لقاء الباب المفتوح (١٩/٣)).

كما أن أهل العلم يشترطون لذلك ألّا يعارض هذه الضرورة ما هو مثلها أو أعظم منها. https://www.alukah.net/sharia/0/150295

ثانيًا: من حيث المخاطر والتَّبِعات والمآلات:

هذا ولابد من إدراك تبعات اتخاذ قرار إجراء عملية التكميم وما قد يترتب عليها من مآلات واحتمالات. إذ يقول أهل الاختصاص في مايو كلينيك الشهيرة إن من بين ذلك ما يمكن تلخيص أهمه في العناصر الآتية:

  • المضاعفات المتعلقة بالتخدير، بما في ذلك التهاب الرئة والجلطات الدموية، والوفاة في حالات نادرة.
  • الإصابة بالعدوى في موضع الجرح، والذي قد يؤدي إلى سوء حالة التندّب، وقد يتطلب الأمر إجراء عملية جراحية إضافية.
  • تراكم السوائل تحت الجلد.
  • النزيف الطفيف الذي قد يتطلب إجراء جراحيًّا آخر، أو النزيف الحاد الذي يتطلب نقل دم.
  • التندّب غير الطبيعي بسبب تشقق الجلد.
  • انفصال الجرح، والذي يتطلب أحيانًا إجراءات جراحية إضافية.
  • الشعور بالخَدَر والتنميل الناتج عن تلف الأعصاب، وهذا الشعور قد يكون دائمًا.
  • حتى مع الإرشاد والاستعداد، قد تتفاجأ بالتورم والكدمات التي تعقب الجراحة التجميلية وطول المدة التي تستمر خلالها. قد تستغرق الكدمات ثلاثة أسابيع على الأقل حتى تختفي؛ في حين أن التورم قد يستغرق فترة أطول من ذلك.
  • قد تمر بفترة قصيرة من “حالات الاكتئاب” أو انخفاض الروح المعنوية أثناء التعافي. وبلا شك قد يُسهم الحكم السابق لأوانه على نتائج الجراحة أو انتظار العودة إلى الأنشطة المعتادة في الشعور بخيبة الأمل والإحباط.
  • تعد التوقعات الواقعية مهمة جدًا — فالهدف هو التحسن لا الوصول إلى درجة الكمال. سيحصل كل شخص على نتيجة مختلفة.

(الجراحات التجميلية – Mayo Clinic (مايو كلينك

10-12-2022

أما أهل الاختصاص في جامعة جونز هوبكنز العريقة في ولاية ميريلاند الأمريكية فإنهم يحذرون مرضاهم قائلين:

“قد تعاني بعد العملية من نقص في الفيتامينات والمعادن، ذلك كونك تتناول كميات أقل من الطعام، وبالتالي يمتص جهازك الهضمي قدرًا أقل من ذي قبل من المواد الضرورية لتغذية جسمك بشكل سليم. لذلك قد تحتاج إلى جرعات يومية من فيتامينات عديدة مثل ب 12 وفيتامين د، بالإضافة إلى الحديد والكالسيوم”.

والأهم من ذلك، تقول جامعة جونز هوبكنز: “إن المعدة المكمَّمَة قد تسترخي مع الزمن وتتمدد، بحيث يشعر المريض بالرغبة في الأكل أكثر فأكثر، وبالتالي يعود الوضع كما كان من حيث السمنة، إذا لم يتم الانخراط في برنامج صارم من التمارين والحمية”.

Gastric Sleeve Surgery | Johns Hopkins Medicine

12-12-2022

 

الجدير بالذكر أن بعض الجراحين المسلمين من أهل التُّقَى والوَرَع يستنكفون عن إجراء عملية تكميم المعدة للأغراض التجميلية، ويتورعون في ذلك الشأن، خشية الوقوع في محذور تغيير خلق الله من غير ضرورة تبرر ذلك.

 

الخلاصة والتوصيات:

  • الجراحات التجميلية من الأحوط تجنبها مالم تكن هناك ضرورة طبية أو تشوهات خلقية تبررها.
  • يوصي المجمع الفقهي الأطباء بأن يراقبوا الله في أداء مهنتهم، وأن يتخذوا من الشريعة الغراء منهلًا لمعاييرهم الأخلاقية عند تقديم المشورة الناصحة للمرضى، وأن يحذروا من مغبة الانجراف وراء مغريات هذه السوق الرائجة الدنيوية الزائلة.
  • يوصي المجمع الفقهي المسلمين، على مستوى الأفراد والمجتمعات، بأن يدركوا الفوارق بين التدخل الانتهاكي التجميلي وذلك الذي تمليه ضرورة طبية ملحّة أو تشوُّهات خلقية منفّرة، بالقدر الذي يصونهم من ارتكاب محذور شرعي أو أخلاقي.

 

 

والله سبحانه ولي التوفيق،،،،،،،،،،

 

أمين صالح كشميـــــــــــــري

مكة المكرمة – جمادى الأولى 1444هـ

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى