“رقصة المطر”

قصةقصيرة..

✍️وفاءعرفه :

وقفت أمينة أمام مكتبتها المنتقاة بعناية فائقة من حيث محتوى الكتب، التى جمعتها على مدار سنوات طويلة من القراءة، ظلت تتابع بعينيها كى تختار كتاب لتقضى معه أمسيتها، بعد بحث وجدت ضالتها مدت يدها و همست بصوت يغلفه الحنين مرددة، تعالى تعالى.. يا رواية حب العمر كله بسببك إلتقيت شق روحى، لقد أهداها لى و كأنه يعلم إنها بداية روايتنا فى الحياة، ثم تنهدت أمينة بصوت مسموع و إنتابها فجأة حنين الذكريات، إحتضنت الرواية و ضمتها بقوة حتى شعرت، أنها لامست جدار قلبها الصامت منذ زمن، داعبت أمينة خصلات شعرها و كأنها تعيد لعقلها اليقظة و الإنتباه، توجهت إلى ركن القراءة التى صممته بنفسها ليلائم ساعات القراءة الطويلة، أدارت موسيقاها المفضلة بصوت يناسب خلفية للقراءة، عدلت من وضعية مقعدها الوثير و حامل الكتب المصمم أعلى المسند اليمين للمقعد، وضعت أمينة شالها الصوف البنفسجى على المسند الآخر لتدثر به، حين يشتد الصقيع فالشتاء فى مدينتها الساحلية قارس البرودة.
أعدت مشروبها الساخن المفضل و مازال طنين الحنين يباغتها ما بين اللحظات و الأخرى و هى تحاول جاهدة بإبعاد هذه الهجمات المفاجئة رغم استمتاعها بتأليب خانة الذكريات، حزمت أمرها عليها أن تركز فى أمسيتها و تبدأ القراءة، التى تأخذها إلى عوالم شتى سافرت بلاد كثيرة من خلال رحلة كتاب، و كم عشقت من خلال ديوان شعر و كم من كاتب أثرى عقلها بأفكاره، بالفعل جلست و بدأت تفتح الرواية بادئ ذى بدأ رأت حرف إسمها و إسمه بخط يده مع إهداء منه ببضع كلمات تذكرت ملامحه أثناء كتابته هذه الكلمات، خفق قلبها و نبض نفس نبضات ذاك اليوم، شردت قليلاً ثم عادت فى إصرار تقلب صفحات الرواية، لترى تلك الهوامش على جانبى بعض الصفحات، التى كانت بمثابة رسائل حب و هيام إليها منه، همست بصوت تكاد تسمعه و قالت ماذا يحدث اليوم.. إنها مؤامرة.. و ليست أمسية للقراءة ثم إبتسمت و تنهدت و عاودت القراءة مستمتعة بالرواية و بالذكريات حتى إستسلمت للأمر و غاصت فيما تقرأه.
تعمقت أمينة فى الرواية كأنها لم تقرأها من قبل مراراً، تزيد دهشتها لشعورها كل مرة بأنها تقرأها للمرة الأولى، فهى لا تعلم هل لروعتها أم لأنها تحمل أجمل ذكرياتها، بدأ المطر يرسل زخاته على زجاج النافذة رويداً رويداً ربما يتعمد تشتيت إنتباه أمينة كأنه يحمل لها رسالة، ظلت تقاوم صوت قطرات المطر لكنها لم تفلح،تركت الرواية و قامت تنظر للمطر من خلف زجاج نافذتها، بحظر شديد فتحت جزء صغير و إستنشقت رائحة المطر، عيناها تراقب المطر و هو يغسل الأرض، سرعان ما تحولت القطرات إلى سيل يشبه خيوط من الماء المنسدلة، إنتعشت ذاكرتها فوراً بذكرى أجمل لقاء لها و حبيبها حيث أمطرت السماء على حين غرة، حينذاك كان الدفء يملأ قلبيهما و روح كل منهما تحلق فى فضاء العشق، إستحسنت أمينة سفرها عبر الزمن بل و شعرت أن روح حبيبها تناديها، إستجابة أمينة للنداء لأنها على يقين أن من تسعى إليه يسعى هو أيضاً إليها، إنه ميثاق عشق الروح، إلتحفت بشالها البنفسجى و هرعت إلى خارج مسكنها، فى ذاك الممر المؤدى للشارع الرئيسى و الخالى من المارة خاصة فى مساء يوم شتوى غزير المطر، وقفت أمينة تحت المطر و إذا بها ترفع رأسها إلى السماء الممطرة و تفتح ذراعيها على مصراعيها و ماء المطر يغسل و جهها، و هى تبتسم و تغمرها السعادة، أغمضت عينيها ثم إستحضرت روح حبيبها و لتستعيد ذكرى يوم ”رقصة المطر“ كما أطلق عليها حبيبها، تجسد أمامها و أمسك بكلتا يديها و ظل يدور بها و هى تشعر بأنها فوق السحاب، و صوت ضحكاتهما يعلو شيئاً ف شيئاً و المطر يغمرهما، دون أن يكثرثا لشئ حولهما ثم إحتضنها فى عناق قوى، و هو يقول هى رقصتنا حبيبتى كلما أدركنا المطر، تجسد الخيال روح و قلب و عقل أمينة حتى صار أشبه بالحقيقة، تلاطمت الذكريات متلاحقة كأنها شريط سينمائى لقصة حب عمرها، إستفاقت من حلمها الماتع جداً، على صوت الرعد و ضوء البرق، لملمت أطراف شالها و تدثرت به، بهدوء شديد عادت إلى بيتها و بدلت ثيابها ثم ألقت بجسدها على مقعدها، أرجأت رأسها إلى الخلف، كم هى فى غاية السعادة بهذا اللقاء الوهمى الذى صنعته مخيلتها و أعاد لها، عبق ذكريات لا تنسى، شرعت أمينة فى العودة لقراءة الرواية، لكنها قبل أن تبدأ تذكرت مقولة شمس التبريزى التى فحواها :
”الوداع لا يقع إلا لمن يعشق بعينيه“
”أما ذاك الذى يحب بروحه و قلبه فلا ثمة إنفصال“
بعد هذه المقولة ضمت الرواية إلى حيث موضع قلبها، أغمضت عينيها و هى تعود إلى ذاك الزمن، تغلب عليها النوم فإستسلمت لنوم عميق فربما تحظى بحلم هادئ كأنه حقيقة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى