مَضى مُعظمه وبَقى أعظَمه
وداعا رمضان ... أختموه بخير فإن العمل بالختام
بسام العريان :
الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام, ووفقنا لإكمال شهر الصيام, فله الحمد على أن هدانا لهذا, وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله, وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك
له وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد عباد الله:
اتقوا الله تعالى وسارعوا إلي ما يحبه ويرضاه, واعلموا أن ضيفكم الكريم وموسمكم العظيم قد تصرمت أيامه, وتقلص ظله, قد قُوِّضَت خيامه, وأخذ في الرحيل, ولم يبقى منه إلا القليل, فبعد اسبوع سيرحل روضة المتقين وفرصة العاملين, ويكون أثراً بعد عين, وسيرحل حامداً لمن أكرمه بتجنب الحرام, وحافظ فيه على الصيام والقيام, وأحسن فيه القيام, محتفظاً بما اُودع فيه, وسيأتي شاهداً لك ومحامياً عنك, ومحاجاً إن كنت أكرمته وحفظت له حقه, إنه سيرحل ولعلك لا تلقاه بعدٌ فودِّعه بسلام, وأختمه بخير فإن العمل بالختام,
عباد الله:
حاسبوا أنفسكم, وانظروا ماذا سجلتم في صحائفكم قبل فوات الأوان, فمن أحسن
(2)
فليزدد من الإحسان وليسأل الله الثبات, فإنه لا يدري بماذا يُختم له, وليكثر من قول (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك). وليهتم بقبول عمله اهتمام عباد الله الذين وصفهم الله بقوله }وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ{. عن عائشة رضي الله عنها قالت سألت رسول الله عن هذه الآية, هم الذين يشربون الخمر, ويسرقون مالاً؟ قال لا يا بنت الصديق, ولكنهم يصومون ويصلون وهم يخافون أن لا يُقبل منهم, أولئك الذين يسارعون في الخيرات! وعن علي بن أبي طالب قال (كونوا لقبول العمل أشدّ اهتماماً منه بالعمل, ألم تسمعوا قول الله تعالى: }إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ{ فمن فرط فليبادر بالتوبة النصوح قبل أن يُغلق الباب ويسدل الحجاب. صعد رسول الله يوماً المنبر فقال: (آمين, فسُئل عن ذلك, فقال: إن جبريل أتاني فقال من أدرك رمضان ولم يغفر له فيه فأبعده الله قُل آمين فقُلت آمين). فيأيها المصر على الكبيرة, كالسرقة, وقطيعة الرحم وعقوق الوالدين, وغش المسلمين, وقذف الغافلين, وسب المؤمنين, وتناول المحرمات كشرب الخمر
(3)
وما أشبه ذلك مما حرمه الله. أيها المصر! أترجو تكفير ذنوبك في هذا الشهر العظيم وأنت باقٍ على شيء من هذه الموبقات, هذه الأمراض الفتاكة التي قد يُلقَى المسلم بسببها في النار على وجهه. اعلموا عباد الله أن التكفير مشروط باجتناب الكبائر اسمعوا قول الله عز وجل: }إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا{ وقول الرسول (الصلاة إلى الصلاة ورمضان إلى رمضان كفارةٌ لما بينهُنَّ إذا اجتُنبت الكبائرُ) فاحذروا رحمكم الله أن تقعوا في هذه المهلكات, ومن ألمَّ بشيء منها فليبادر بالتوبة النصوح عسى سيئاته أن تبدل حسنات بتوبةٍ صادقه, يعزم فيها التائب على أن لا يعود إلى مثل ذلك الذنب الذي تاب منه, توبةً يندم فيها على ما سلف من الأعمال القبيحة, توبةً يقطعُ بها صلته بذلك الذنب الذي تاب منه توبةً تدفعه إلي رد الحقوق إلى أهلها قال الله سبحانه وتعالى: }وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ{ وقوله تعالى }وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ توبوا إلى الله فإن أحدكم لا يعرف عن أجله
(4)
شيئاً واذكروا قول الله تعالى }وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا{ توبوا إلى الله فالموت ليس ببعيد
عباد الله:
اعلموا أن أفضل الإحسان إتباع صيام رمضان بصيام ستة أيام من شوال, ففي ذلك شكر النعم والحصول على مضاعفة الأجر من مواهب الإحسان, فقد صح عن سيد الأنام أنه قال (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر). ذلك لانَّ الله تعالى يجازي على الحسنة بعشر أمثالها, فيكون صيام رمضان بعشرة أشهر, وصيام الست من شوال يعدل شهرين, فتلك سنة كاملة يقع أجر صيامها لمن قام بصيام الستَّ مضافة إلى رمضان, وبذلك يحصل العبد على أجر صيام الدهر.
عباد الله:
إننا نعبد رباً عفواً يحب العفو. رحمته تسبق غضبه. ومغفرته أعجل من عقوبته. يحب من عباده أن يسارعوا إليه إذا أذنبوا. فالتوبة هي شعار المتقين. ودأب الصالحين. روى الإمام مسلم أنَّ رسولُ الله قال (يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إلى الله
(5)
في اليوم مائة مرة) ولله في كل ليلة عتقاء من النار, فاجتهد عبد الله أن تكون واحداً منهم! فرمضان فرصة لمن فرط في صلاته. ليتدارك نفسه ورمضان فرصة لمن قطع رحمه أن يصلها. ولا يدخل الجنة قاطع رحم. وقد أمر الله بصلة الرحم في تسع عشرة آية. ولعن قاطع الرحم في ثلاث آيات فمن كان بينه وبين أحد من أرحامه أو أحد من المسلمين. بغضاء أو شحناء. فليسارع إلى الإصلاح. وإذا صامت بطوننا عن الغذاء. فلتصم قلوبنا عن الشحناء.
الحديث:
عَنْ عُمَرَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فَذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ». أو كما قال.
وداعاً يا شهر الصيام
السلام عليك يا شهر الصيام ، السلام عليك يا شهر القيام ، السلام عليك يا شهر الإيمان ، السلام عليك يا شهر القرآن ، السلام عليك يا شهر الأنوار ، السلام عليك يا شهر المغفرة والغفران ، السلام عليك يا شهر الدرجات والنجاة من الدركات ، السلام عليك يا شهر التائبين العابدين ، السلام عليك يا شهر العارفين ، السلام عليك يا شهر المجتهدين ، السلام عليك يا شهر الأمان ….
كنت للعاصين حبسا، وللمتقين أنسا ، السلام علي القناديل والمصابيح الزاهرة ، والعيون الساهرة ، والدموع الهاطلة ، والمحاريب المعطرة ، العبرات المنسكبة المتفطرة ، والأنفاس الصاعدة من القلوب المحترقة …..
اللهم اجعلنا ممن قبلت صيامهم وصلاتهم ، وبدلت سيئاته بحسناته ، وأدخلته برحمتك يا أرحم الراحمين ……. تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال