د. خالد غانم يكتب: من فلسفة الترويح

من الأخطاء الفادحة أن يتجاهل المرء بواعث وجوده في الحياة، غير مكترث إلا بنفسه وملذاتها، وذاته وشهواتها، ويصب فكره في دائرة المجون واللهو واللعب، ويكب عقله في الفكر الهوائي ـ كما يقال ـ دون رادع أو زاجر.
إذ من الضروري والمطلوب ـ سلوكًا عرفًا وثقافة ـ للإنسان أن يأخذ من حاله لمعاده، ومن عاجله لآجله، ومن الواقع ما يكفل له العون على أعباء الحياة.
ومن الملفت للنظر أن الترويح عن النفس يعمل على تحقيق التوازن بين متطلبات الكائن البشري ( روحية ـ وعقلية ـ وبدنية ).
ففي الوقت الذي تكون فيه الغلبة لمتطلب من متطلبات النفس البشرية، يأتي الترويح ليحقق التوازن بين ذلك الجانب الغالب وبقية الجوانب الأخرى المتغافل عنها.
ويسهم النشاط الترويحي في كسب الفرد خبرات ومهارات وأنماط معرفية، كما يسهم في تنمية التذوق والموهبة ويهيء للإبداع والابتكار.
ويساعد الاشتغال بالأنشطة الترويحية في إبعاد أفراد المجتمع عن التفكير أو الوقوع في الجريمة، وبخاصة في عصر تفشت فيه ظاهرة البطالة والعوز، وأصبح وقت الفراغ
أحد سماته.
فالترويح ينقذ الإنسان من الملل والضجر وضيق الصدر، وما إلى ذلك من الشعور الأليم الذي يسببه في العادة عند بعض الناس خلوهم من الأعمال الجدية.
وقتها ينسي المرء ما لديه من آلام نفسية أو حسية، أو يخفف من وطأته.
إذ الإنسان ليس من الكائنات الفوضاوية، أو التي تعمل بمحض المصادفة، أو التي تسير بدون وعي، بل ينبغي أن يكون أمام وعي مسبق، أو فرضيات محسوبة، فالعلم بالشيء هو كل شيء، وإذا أردت أن تستخدم وقتك بصورة جيدة، انظر إلى أهم ما عندك وقم بإعطائه كل ما تملك، وفي الوقت نفسه قم بالترويح عن النفس، و لذلك نحن مسئولون عن المجهود الضائع الذي نبذله بعشوائية، ونلوم الحضارات المتقدمة عن دماء ترضخ في ذيل عبوديتها.
إننا نبصر كل شيء أمامنا، فلماذا لا نستمتع ونجعل كل لفتاتنا مؤتلقة ومعينة على رؤية واضحة للإفادة من الحاضر والمستقبل بفلسفة تجمع بين العمل والترويح؟! فالإبداع الحقيقي هو قيمة ما نعمله، وليس ما نبصره فحسب، ومعه قيمة ما نروح به عن أنفسنا
فلسنا فى حاجة لمقولات هنري ديفيد فرانكلين او استيفن كوفي ـ الذَين تحدثا في نظرية (تنظيم الوقت) ـ بعد التشريع النبوي القائل: اغتنم خمسًا قبل خمس : فراغك قبل شغلك، وهذا مدعاة للفهم الحقيقي لفلسفة الترويح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى