مــعــوقــات الجــديـــة
عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون
العقبات طبيعية، وهذا الكون ليس لك وحدك لتتصرف فيه كيف تشاء، فكما أن الأماني ليست كلها مستحيلة التحقيق، فكذلك الأهداف ليست كلها قابلة التنفيذ، ومسائل الحياة لا تسير بالدقة التي تنشدها، فأنت تعيش بين كثيرين لا يرون ما ترى، والاختلاف وارد جدا، وحتى في الأمور المسلمة ستجد من يجادل ويراوغ، ونفسك التي بين جنبيك لا تطاوعك في أمور كثيرة، فما بالك بآخرين لا ينظرون إلى الأمور كما تنظر أنت إليها، ولهم نفوس لا تطاوعهم، ومن الوهم أن تتصور أن هذه الحياة سهلة ومريحة بصورة صرفة، وتخلو من المكدرات والمزعجات.
سمع رجل رجلا يقول لصاحبه: لا أراك الله مكروها، فقال: كأنك دعوت على صاحبك بالموت، فإن صاحبك ما صاحب الدنيا فلا بد أن يرى مكروها.
وقال الشاعر
طبعت على كدر وأنت تريدها
. صفوا من الأقذاء والأكدار
فهذه الحياة التي تحياها إنما هي الدنيا وليست الجنة.
ومنا من يتحدث بأنه سيفعل أعمالا كبيرة وسيحقق بها غاياته وأنه لا يريد أن يضيع جهده ووقته في أعمال بسيطة مردودها قليل، وبعد ذلك تجده لم يجن صغيرا ولا كبيرا، فالدوام على القليل سيصل به إلى ناتج مرض، ويدفع به إلى التطوير والزيادة، وخير الأعمال أدومها وإن قل، وفي هذه الأعمال البسيطة سند كبير لما يتلوها، ورافدا مهما لا يمكن التخلي عنه.
وتقليل المتاعب الشخصية أمر مهم جدا، فحاول بما استطعت من جهد ألا تجعل لاحتكاكك مع الناس أثر سلبي على طاقتك وهمتك، وكن أنت الأفضل باتباعك ما يريح القلب من كظم الغيظ، وسلامة للصدر، وعفو عن التجاوزات، فتكون بذلك قدوة، فالاستسلام للهموم الهابطة لا يمنحك ارتقاء، واتصالك بالناس والتعرف على أحوالهم والحديث معهم يمثل لك سوقا لا يختلف كثيرا عن الأسواق المعروفة، فإذا ما اطلعت على شيء من هذا السوق ففكر ما الذي تشتريه، وما الذي ترميه، ولا تكن كحاطب ليل يجمع الجيد والرديء وما يضره فيناله الأذى، فلا يترك العاقل الواعي المتدبر لأمر حياته الفاهم لمغازيها أمر تصريف شؤونه وتوجيهه للآخرين فيقرر ما يقررونه ويقدم على ما يستطيبونه، مهملا بذلك نفسه وإرادته في الحصول على مبتغاه، مضيعا بذلك كيانه وانفراده بشخصيته، فكم من ذوي همم أضاعوا هممهم بمعاشرتهم أناس مسلوبي الإرادة، أو ذوي نظرات قاصرة إلى مستوى أدنى من الفاعلية كان بالإمكان أن يتخطوه لو تخلصوا من القيود الوهمية التي كبلوا أنفسهم بها.