تَرانيمُ ميَّاسة النديَّة

 

شيخة الصّوّافِيّة

كان قلبها يحترقُ رويدًا رويدًا بنور العلمِ بطريقة روتينيَّة، ضمن حلقة يوميَّة، يحترق ثم يحترق مجددًا؛ لكن الفيزياء هذه المرة لم تنفذ قوانينها، ظهرت القاعدة الشاذة، فالحرارة إمَّا تصهر المادة، أو تحولها لبخار، أو تشكل رمادًا تحمله الرياح، أمَّا هي فمن فرط الحرارة تحول قلبها لكتلة جليد.

من جِدار غرفتها المُفَطر تنطلق أصواتًا فاترة، اقتربتْ بحذرٍ فدار الحُزن برأسها ليقول بكبرياء: الخوف الذي تحملينهُ في عينيكِ، يجعلني أحيا معك لطيلة حياتكِ، وَردد قائلًا:
ما يجب عليكِ فعله الآن، لا مجال لإهدار الوقت، جمدتْ في مكانها فرمقها بنظرة عناءٍ، ابتسمتْ له ليكملَ طريقهُ ويختفي، ثم اختلستْ النظر عليه بنصفِ عينٍ، كان ظهره شديد الندوب -تمامًا كظهرها- رأته ينصرف قائلًا: من يحيا بين ثنايا العلمِ، عليه أن يُحقق النجاح الباهر.

وفي الساعات المتأخرة من تلك الليلةِ بالتحديدِ، حين انطفأ نور الغرفة وبقيتْ وحيدةً، تحدِّق في المجهولِ من حولها، وفي خلال دقائق تكون وقد وقعتُ في فخ حُقنة المخدِّر، تذكَّرتْ كل ما مرَّت به سلفًا، وبقيتْ تفكِّر لثوانٍ حتى سيطر على جسدها الضعيف ذلك الدواء، واستسلمتْ لتخديرهِ بعد دقائق معدودة.

‏يا من دبرتنا حتى كبُرنا
وكبَّرتنا حتى تدبَّرنا،
لك الإجلال في الضعف والقوَّة،
لك الإذعان في الصغر والكبر.

‏ياربِّ، لا أشكو إليك الناس بل أشكوني إليك، فهذب لي نفسي ولا تعذِّبها، ‏أصلح لي حالي حتى يستقيم لك، ‏واشغلني فيما يقربني إليك يا *ربَّ.*

– بِسرِّ “سلامًا قولًا من ربٍّ رحيم” أُوصلُ السلام لقلبكِ الذي لم يتفيأ تحت ظلِّ الراحة بعد، وسيفعلها بسرِّ أسمائه العُلا، وتوكُلهِ على من ستدرككِ معيتهُ إن جازفتِ للوصول، وتعبتِ حتَّى نِلتِ مالم يردهُ لكِ الشيطان بتثبيطه.

مساءُ الخير لأوعيتكِ ولحمكِ ودمكِ ولعافيتكِ، بسرّ هذا الرجاء والدعاء “اللهُمَّ إنَّا أمسينا منك في نعمةٍ وعافيةٍ وسِتر فأتمم نعمتك علينا وعافيتك وسترك في الدنيا والآخرة “
هل حَسِبتِ كم رَبِحتِ منذ سنينكِ التي قضيتيها فيما تريدين والتفكير فيما لا طاقة لكِ به؟ ألم تعلمين كم ينقذك الله بنومكِ الذي تحسبينه هربًا من الدنيا، ومن همها، كم كافأكِ به بعد كل ما ظننتيه!

مَساءُ النور ميَّاسة!
حسبكِ؛ فالنور مرتبطٌ بنورِ الله العليِّ القدير، فالعلم نور، والسعيّ للرزق نور، والكدِّ في طلبِ العلم نور، وما كُل هذا سوى فيضٌ من نورهِ “نورٌ على نور” فكيف لا تسعين لكسب معيتهِ وتتبعؤن هدي نورهُ؟ ألم يحن الوقت بعد لتُضيءَ شمسكِ؟

ما دمتِ في كنفٍ لا يبلى، وكتفٍ لم يميل، وقوَّةٍ لن تضعف، فكُوني على علمٍ بيقينكِ، أن الرِّضا سيتلحفُ فؤادكِ، وستصاحبكِ غيوم الطمأنينة، وسينبتُ بداخلكِ شجرٌ من نورِ الحُبِّ الذي جنيتيه بحُسنِ ظنكِ باللهِ وتَوكُّلِك عليه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى