صدقوني.. لا يعاني سوى المجنون
✍ صالح الريمي :
من المهم أن نحارب من أجل الحفاظ على إنسانيتنا وسط ضجيج هذه الحياة، ويجب أن نتفقد بعضنا وأن نكون العكاز لمن ينكسر والسند لمن فقد ظهره، فالحياة الحديثة أصبحت باردة وموحشة، تسيطر عليها المادة بشكل فضيع وتخبو فيها المشاعر الإنسانية الدافئة بشكل واضح للجميع، حتى أصبحت حياة أغلب الناس نشبهها بالآلة الكبيرة؛ عندما يتعطل فيها الترس عن العمل يتم استبداله..
قبل أيام دعاني صديق إلى بيته للحديث إليّ عن بعض مشكلاته ويريد حلًا!! وعندما دخلت بيته وجدته بوجه عابس ويائس وتظهر من عيونه بشكل واضح للغاية عدم رغبته في الحياة، سألته: “ما بك؟.
رد عليّ مللت من هذه الحياة ولم تعد تناسبني أصبحت الحياة صعبة جدًا، كل الظروف حولي صعبة ولم أستطع إيجاد حلولًا جذرية لمشكلاتي؟
وبدأ بسرد مشكلاته واحدة تلو الأخرى حتى انتهى وأنا أستمع إليه بصمت، قلت له انتهيت، قال نعم، سألته كيف تجد نفسك الآن بعد أن فضفضت لي، قال أشعر بالارتياح قليلًا، سبحان الله ارتاح لأني استمعت إليه فقط..
قلت له: كلنا نواجه في الحياة الكثير من الصعاب والعقبات التي نظن معها أن الحياة قد انتهت وأننا قد بلغنا نهاية نفق مظلم ولا سبيل للنجاة، لكن الحياة تعطينا دائمًا ضوء في آخر النفق لمن يتحمل ويتسم بالأمل، وبالتحدي نستطيع الفوز، فقسوة الحياة ضرورية في كثير من الأحيان فالبعض لا يتعلم الدروس إلا بأكثر الطرق قسوة وصعوبة.
ومن يريد أن يحيا عليه أن يغامر كثيرًا ويكون شجاعًا في مواجهة الصعوبات والمشكلات المستعصية التي تواجه، مثل الإفلاس المالي أو المرض المزمن أو الحزن على فقدان أحد، والاستسلام لهذه الظروف المخيفة سيجعل اليأس أسلوب حياتك، ثم العيش مع اليأس، وهذا يعني الاستيقاظ كل صباح بثقل يضغط على صدرك وشعور بالإرهاق بغض النظر عن عدد الساعات التي تنام فيها..
في هذه الحياة كل شخص لا يرى سوى معاناته الشخصية فقط ويشعر بأن الجميع بخير ويعيش حياة الرفاهية إلا هو، والمعاناة طبقات ولكن الشيء المؤكد أن الجميع يعاني معاناة الخاصة.
واضرب لكم مثلًا وليس للحصر، تجد الغني يعاني من طمع الناس فيه، وربما ترك بعض أصدقائه تهربًا من طلب المساعدة، والفقير يعاني كيف يحصل على المال، والطالب يعاني من صعوبة الامتحانات، والمدرس يعاني من ضغط تصحيح أوراق الامتحانات وتدريس الطلاب، صدقوني أنا شخصيًا أعاني وغيري يعاني وليس هناك على وجه هذه الأرض من لا يعاني سوى المجنون فقط..
لكن بعضنا يحب أن يعيش معاناة درامية بأقصى درجاتها ولهذا تجده يعيش المشكلات بتفاصيلها دون أن يحلحلها ويجزئها ثم يفكر بالحل خارج إطار المشكلة، بكل تأكيد من فعل ذلك سيجد بداية حل لمشكلته ولو 20%، وهذا يفتح للشخص بابًا لبداية الحل.
*ترويقة:*
أذكر لكم قصة حصلت لأحد أصدقائي، يقول كنت وقتها بوضع مادي سيء للغاية، وبلكاد أجد وجبة واحدة في يومي، اتصل بي شخص لحضور مناسبة اجتماعية لأحد تجار المدينة، وأنا في حالة جوع رهيبة، وعند الإنتهاء دخلنا إلى صالة كبيرة فيها مالذ وطاب من الطعام، أكلت بشراهة مطلقة، لكن ما ادهشني أنني رأيت صاحب الدعوة على طاوله صغيرة لوحده يأكل قليلًا من الطعام الخاص..
فلما سألت قالوا ممنوع من هذا الأكل كله بسبب بعض الأمراض التي يعاني منها، قلت سبحان الله أنا الجائع آكل مالذ وطاب من الطعام وهذا الغني ممنوع من ملذات الطعام.
*ومضة:*
الله تعالى لخص حياة البشر في قوله: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ)، فلتعود نفسك على ذلك، فالمدرسة يعلمونك الدرس ثم يختبرونك، أما الحياة فتختبرك ثم تعلمك الدرس، وقد تقصر الحياة وقد تطول، فكل شيء مرهون بالطريقة الإيجابية التي تحيا بها حياتك.
*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*