ثنائية الشعر و الثورة عند توفيق ومان للدكتورة المحاضرة أمينة حماني

تسرق الأضواء في الملتقى الدولي للأدب الشعبي بالجزائر

محمد غاني _ الان نيوز


من اكثر الشخصيات الجامعية و الثقافية و الأدبية تاثيرا التي حطت اقدامها مشاركة في فعاليات الملتقى العربي التاسع للأدب الشعبي الذي احتضنته المكتبة الوطنية بالجزائر العاصمة أيام 17 و18 و 19 ديسمبر 2023 تحت شعار ” الأدب الشعبي و دوره في المقاومة و قضايا التحرر ” من تنظيم الجمعية الجزائرية للأدب الشعبي بحضور وفود عن 11 دولة عربية من بينها وفد من  الصحراء الغربية


الدكتورة امينة حماني الاستاذة بقسم الترجمة لجامعة مولود معمري تيزي وزو و المتخصصة في الادب و الدراسات النقدية المغاربية لها عدة مقالات منشورة في المجلات الوطنية و الدولية المحكمة و مشاركات في ملتقيات دولية داخل و خارج الوطن. اخرها الملتقى العربي للأدب الشعبي بالجزائر الذي ابدعت فيه و انفردت و اشتهرت بتقديم محاضرة حول الشعر الشعبي الثوري و ثنائية الشعر و الثورة عند توفيق ومان و قد تمثل الانفراد في قراءة نص المحاضرة بطريقة جديدة مبتكرة بحضور الشاعر الزجال توفيق ومان الذي شارك الدكتورة المتدخلة بقراءة و ترديد أبيات شعرية له بنفسه و صوته أثناء وصول المتدخلة إليها و تحليل معانيها و لقد لقيت هذه الطريقة الاولى من نوعها إستحسان الحضور النوعي. في الملتقى من دكاترة محاضرين و شعراء و جمهور و طلبة الجامعات و رواد المكتبة العمومية و كم صفقوا تفاعلا و ابتهاجا و اسداء الشكر و التحايا مرفوعة يحقها للدكتورة امينة حماني و الشاعر الزجال توفيق ومان الذي أبدع في قراءة مقاطعه الشعرية قراءة تشخيصية مؤثرة في ظل البوح. بخلجات نفسه الوطنية بامتياز و حيث ان. المداخلة. القيمة. لقيت اجماع الحضور على فهمها و استيعاب جميع معانيها و رسائلها و قيمتها الاخلاقية و حتى الاستمتاع بالأسلوب و الطريقة الرائعة في طرحها و القائها فقد ارتأينا نشرها لتعميم الفائدة و الاحتفاظ بنصها شكلا كما جاء


المقدمة :
كان الشعر دائما لسان حال العرب و ديوانهم وجنسهم الأدبي الأول و الأمثل و شهد التاريخ بأن مجالس الأدب التي كانت تعقد في سوق “عكاظ”ثم في المربد بالبصرة استمر لسنين طويلة في اعماق البوادي و القبائل العربية و كان قديما يحتفل بنبوغ الشاعر في القبيلة لأنه يصبح الناطق الرسمي بقبيلته في المحافل الشعرية و السياسية لدى الحكام و الأمراء و في المجالس الأدبية واستمر الشعر محافظا على مكانته فتنوعت طرائق ادائه و ثقافاته و حتى اللغة التي يقال بها
فالشعر عامة هو الشعور “اذا اهتزت خلجان نفس الشاعر بمناسبة فرح او قرح انبعث من داخلها قول موزون مؤثر ذو نمط خاص عن الكلام العادي و هنا تتحكم البيئة و عمق الهزة الثقافية و الموهبة فتنصهر في بوثقة واحدة لتخرج شعرا مصبوغا به


الشعر الشعبي الثوري:
الشعر الشعبي الثوري هو الشعر الذي يصور ملامح فترة الاحتلال الفرنسي بطريقة توضح جوانب الحياة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية التي تعرضت الى محاولات استعمارية مقصودة تستهدف طمس معالم الثقافة القومية و احلال ثقافة اجنبية منحلة بغية عزل الشعب الجزائري عن تراثه الثقافي الاسلامي و يعني هذا انه يصف لنا الاحتلال الفرنسي للجزائر من كل الجوانب اجتماعيا و ثقافيا و سياسيا و اقتصاديا اي انه الشعر الذي ثار في وجه الاستعمار واصفا المقاومات الشعبية و مختلف الثورات و الاحداث المأساوية المرتكبة في حق الشعب الجزائري


ثنائية الشعر و الثورة عند توفيق ومان:
غلبت النزعة الثورية التحريرية على اغلب الاصوات الشعرية و بخاصة عند الشعراء الشعبيين الذين حملو على عاتقهم لواء النهضة و الاصلاح فأشادوا بالوطنية و تغنوا بالحرية و تبنوا المنهج الثوري التحرري الذي كان له آثره العميق في المكونات الدلالية لمضامين اشعارهم و اساليبها فظهر دورهم الكبير في بث الروح الثورية التحريرية في فترة غلب على الأمة الذل و القهر و الظلم و الاستبعاد ادى بها الى اليأس من اي امل التحرر من ليل الاستعمار الطوي


الجانب التطبيقي:
الشعر الشعبي خير وسيلة تلقائية تعبر بها الامم عن ذاتها بكل حرية و تجرد و دون اي قيد فالشعر الشعبي هو التعبير الفطري الصادق عن احلام الامة و ٱمالها و بؤسها و شقائها و هو ظلها الذي يصاحبها عبر الزمن مهما اختلفت الاحوال و الاماكن لهذا كانت دراسة الشعر الشعبي بالغة الاهمية في معرفة نفسية شعب من الشعوب


الحضور الموضوعاتي للثورة في الشعر الشعبي:
لقد كانت الثورة التحريرية القيمة الاساسية في الزخم الموضوعاتي الرهيب للقصيدة الشعبية الجزائرية المعاصرة و رغم انتقال الحديث من المشهد الجزائري المعاصر من قصيدة الثورة الى ثورة القصيدة فنيا و موضوعاتيا الا ان المنتج الشعري الشعبي (الملحون) مازال يشع بالالتفات الى المنجز التاريخي العظيم و مازالت الثورة التحريرية مرتكزا الهاميا واضحا سيكولوجيا للمقول الشعري لشعراء القصيدة الشعبية الذين عايشوا الثورة و من ابناء جيل الاستقلال الذين تمثلوها و ابدعوا في الكتابة عنها.اهتم الشعر بموضوع المقاومة و الثورة التحريرية بكل احداثها و تفاعلاتها بوصفها من اهم القضايا التي شغلت تفكير الفرد الجزائري فكانت عدسة الشاعر حاضرة دائما لتصوير و رصد كل كبيرة و صغيرة و كل شاردة وواردة اتصلت بهذا الحدث الهام من تاريخ الجزائر القديم و الحديث و لعل اقدم قصيدة سجلتها الذاكرة الشعبية و دواوين الشعر الشعبي قصيدة الوالي المتصوف المجاهد الاخضر بن خلوف و هي قصيدة مزغران بين الاسبان بقيادة شنظاطوش و بين الجيش الجزائري بقيادة حسن باشا نجل خير الدين و قد ابلى فيها الشاعر بلاء حسنا كما سجلها في قصيدة كاملة هي قصة مزغران فأظهرت الحس الثوري في شعر توفيق ومان و مرتكزاته الجمالية.


تعد الحس الثوري في الشعر عصارة حية للمخاص الذي عاناه الشاعر من مجتمعه و تهميشه له و من واقعه و ظلمه له ومن ذاته المسلوبة من ماضيه المثقل بالمآسي من حاضره المقهور ومن مستقبله المجهول وما من شك في ان لخاصية الحس الثوري دورها الفعال و المؤثر في النص الشعري المعاصر بإعتبار ان هذا الشعور كان حصيلة تجارب الشاعر و احاسيسه و رؤاه و مؤثرات واقعه و مجتمعه المنغمس فيه و التي تفاعلت مع شعره في شكله البنائي و طاقته النهائية
و لما كان الشاعر اكثر وعيا و شعورا بالمسؤولية بات شعره امتدادا لهذا الرفض حيث يقاس الفعل الثوري من انفعال و تمرد مع الشعر في احداث العملية الابداعية و التواصلية القائمة بين الذات المبدعة و متلقيها كل هذا شكل وعيا و حضورا في شعر الشاعر الزجال توفيق ومان فكان ابن عصره وابن بيئته و قد كان الوهج الشعري اشد و اعمق و اجمل حينما يكون المشترك الوطني و الهوية المحلية هي الركائز التي يستند اليها المقول الشعري لأنها ثوابت تحرك ذوات الشعراء و توقد فيهم القرائح الشعرية و الشعر الشعبي الجزائري المسمى بالملحون يشكل الفن التعبيري المميز و المحتفى به في الاوساط الشعبية و هو ذو تقاليد ثقافية و جمالية ضاربة بجذورها في اعماق التاريخ و يمثل ملمحا من ملامح الهوية الوطنية و تلك هوية النص الشعري الشعبي الجزائري الذي حمل كل هاته الصفات و الجماليات و كان ذا محمولات وطنية ترسخ الهوية الوطنية في مجتمع جزائري مختلفة الوانه في تناسق جمالي رهيب و ليس اجمل من ان تبقى الثورة في الذاكرة الشعرية عند شعراء الجيل الجديد من الشباب و من ذلك ما جاء في قصيدة انا ملكني حسنها و بهاها لتوفيق ومان التي جسد فيها فخره و حبه و تغزله ببلده الجميل فجمع في قصيدته المرتكزات الجمالية و الفنية للقصيدة الثورية فراح يستحضر المرأة و يخاطبها و يتغزل بجمالها تارة و يستحضر جماليات الطبيعية و رموزها مبينا من خلالها سحر و شساعة الجزائر الحبيبة كما استحضر الشخصيات التاريخية و الأحداث و الاماكن و الازمنة منها الاوراس. ديغول.فرنسا.جرجرة.الونشريس فجاءت قصيدته هذه انسبه بسنفونية عاشق ثائر يبحث عن معشوقه في عالم الروح،بعدما أن وطدت قدميه في أرضه الشعرية وفي جنته التي ابدعتها حروفه وكلماته برسوم رمزية،واشكال هندسية لفسيفساء اسطورية .تنوعت ملامحها بين الماضي المشرق و المستقبل المنير
ونحاول تقسيم قصيدة :


انا ملكني حسنها وبهاها”الى مقاطع حسب المحتوى الدلالي الذي رأينا انها تنتمي إليه بداية من المقطع الأول

أنا ملكني حسنهاوبهاها
وغراني نسيمها وهواها
الأرض الشامخة
بحبالها وسماها
الجزائر
فخرنا برجالها ونساها


جمع هذا المقطع بين المرأة الرمز وقيمة الوطن فيعبر توفيق ومان في هذه الابيات عن حبه العميق للأنثى التي ملكه حسنها وبهاها تللك الحبيبة المعشوقة بغض النظر ان كانت مرأة حقيقية او رمزا للوطن او بسكية نورانية تجسد العشق الالهي.ليصرح ويكشف وجه هذه المحبوبة بكل صراحة الجزائر فخرنا برجالها ونساها
مازلت الثورة التحريرية مرتكزا إلهاميا ودافعا سيكولوجيا للمقول الشعري لشعراء القصيدة الشعبية الذين عايشوا الثورة ومن ابناء جيل الاستقلال الذين تمثلوها وأبدعوا في الكتابة عنها باعتبارها معلما تاريخيا أرسى مبادئ جزائر مستقلة ذات سيادة فتجول وتنتقل بين هذا وذاك ونعود لتوفيق ومان للقسم الثاني من قصيدته الجميلة لنتعرف على استحضاره لنعرج معه الى أيام الثورة إلى مشاهد الجهاد والتضحيات والمقاومة والاطاحة بفرنسا وجيشها وعدتها وعتادها ليرينا توفيق ومان الجحيم الذي شهدته فرنسا في جبال وسهول الجزائر قائلا مخاطبا فرنسا :


ماقدرت فرنسا تسعاها من ناسها
ويح لي جاء متعدي عليها ڨاسها
حجرها جامد والشجر وناسها
تشوف الجحيم تدوي في عراسها


ويعيدنا ويسافر بنا عبر بوابة الزمن لنعايش معه أفعال فرنسا في الجزائر و يعيد سرد التاريخ للمتلقي ويذكر العالم اجمع بتلك التحالفات السياسية والمعاهدات التي ابرمتها فرنسا مع العديد من الدول ويذكرنا بوعود ديغول في جعل الجزائر بركة من الدماء إذا لم ينجح مشروع فرنسته للجزائر قائلا:


حبيبتي حلف كثير من قداش دول
وتقولي يافرنسا من شافني ذل
وتقول ياديغول فهمتكم الكل
الجزائر بالدم
تحمي كل عراضها



لينتقل بعدها توفيق في عتابه بصوت قوي جوهري مذكرا فرنسا بجرائمها البشعة واتهاماتها وافتراءاتها على الاحرار فيقول
سجلتونا خارجين عن القانون
حسبتويلي خايفين من السجون
الحسن الثوري في شعر توفيق ومان:في قصيدة غزة:
جيت نعافر في البلاصتو غلاب
ودمع العين على خدودي مايهدي
بديت نحسو على خدي مشهاب
ونيران العديان تسني في الكبدة
آغزة كي تقابلو هاذاالمصاب
كيف نقول دع الكلام وكي نبدا
ستين سنة وزيدها هاذ العام حساب
كل عقدنا ما وزدنا العقدة
من خلال هذه الابيات نرى او نلمس حسا وشعورا بين الحزن والعتب والحسرة في قصيدة غزة بعكس الحس والبعد النفسي الذي لمسناه في قصيدة ملكني حسنها وبهاها
لاعروبة لاعرب لاقول صواب
لامن سال عليك في وقت الشدة
حكام على هزيمتك شربو لنخاب
وذا الحاكم جايبارك في المبدأ
خيب ضن الشعب ضن الأمة خاب
ذي أم الدنيا حسبناها ليدة
ياغزة من محاينك شابت لهداب
وعشت ليالي بيض فالظلمة السودة


عمل الشاعر من خلال هذا المقطع على تعرية الواقع السياسي المحلي والقومي والعربي من خلال الحكام الذين يتهافتون على كرسي الحكم من اجل الثورة و المصالح الشخصية حيث يسعون بشر الطرق لبلوغ اهدافهم الضيقة والتي الحقت ببلدانهم الهوان والفقر والتخلف والتبعية جراء التطبيع الذي يتصاعد وتتسع رقعته يوما بعد يوم وتأسيسها على كل ماسبق يبدو ان للحس الثوري في شعر توفيق ومان بعدا فلسفيا وزوابا ذات ابعاد جمالية وفنية فهو لايدعو للكتابة والنظم عن الثورة ولا الى وصف الثائرين وبطولاتهم وشحذ همهم وبعد الحماسة في الجماهير كما فعل شاعر الثورة التحررية المباركة مفدي زكريا والشعراء الذين عاصروا ثورات الشعوب وحتى وان فعل فيكون بنية لغوية ايحائية
خاتمة :
أختم مداخلتي هذه بأبيات للشاعر الزجال توفيق ومان:
أنا قلت الجزائر
نطلب ربي يحفظ البلاد
ويهدي القوم لولاد ويفتح طريق
ويفتح طريق السداد
ونعلن يوم البشائر


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى