الدفع الأحسن
✍عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون :
يقول الله تعالى {ادفع بالتي هي أحسن}، وهذه الآية اختبار كبير لمتبعي القرآن والعاملين به، ودعوة عظيمة عندما تبدر أي إساءة، من فعل أو كلام أو أي بادرة، أن نواجهها بتصرف أحسن ولا نردها بمثلها فنقطع بذلك الشرور في مهدها {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم * وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم}.
وهو باب واسع يحيل العداوة إلى محبة، والتنافر إلى تقارب بعد أن يدفع المسلم عن نفسه نوازع الشر وردود الفعل المتعجلة ويصبر ويتحمل ويغالب الشيطان بعد أن يستعين بالله ويسأله الثبات والسداد، وإن لم تظهر النتائج في القريب فستظهر بعد حين بإذن الله، وإن لم ترها فغايتك قد حققت بطاعة أمر الله وتقديمه على ما سواه، ومعاناتك في ذلك واحتمالك لا يضيع عند من يضاعف الحسنات ويحفظ عباده الصالحين.
وحب الخير وإنكار القبيح لا يخلو منهما قلب مسلم، ولا بد أن يتفكر ويتذكر صاحبك ويقارن جنايته بطيب ردك، فيشعر بنقصه وقبيح فعله فيغلبه الحياء وينكر على نفسه وإن لم يعلن ذلك، وسيحاول تصحيح ما أفسد بطريقة أو أخرى أو الكف عن الإساءة والسعي إلى نفع صاحبه تكفيرا لما جناه.
والدفع بالتي هي أحسن يحتاج إلى إرادة قوية صلبة ومؤمنة بالله، راضية بقدره ومتيقنة بثوابه، {ومن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور}، ومع معالجة النفس فإن الوساوس الشيطانية تهاجمها وتدفع عليها بالخطرات التي تثير الحنق والغضب والتي تقلق النفس أن الإساءة لا ترد إلا بمثلها، وعليك أن ترد بل وتزيد كي يرتدع، فيرشد تبارك وتعالى إلى نبذ تلك الوساوس والاستعاذة بالله من الشيطان.
وسبيل عدونا المبين واضح في ذلك، مع عمق تبيين الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال: (إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون ولكن في التحريش بينهم).
فالعمل دؤوب ومستمر في الإيقاع بين المسلمين، بل وبين أهل التقوى والصلاح منهم والمصلون، فإذا حصل منهم وهم على معرفة بإبليس ومداخله فما بالك بعامة الناس.