ليل الشتاء
هل يتكرر الشتاء الذي غيّر مسار التاريخ !!
✍ د. فايل المطاعني :
في زمن الرسول، حيث تتقاذف الرياح الرملية أسرار الصحراء، وتحكي النجوم قصص البشر، كانت هناك مدينة تواجه مصيرها. كان ذلك الشتاء في المدينة المنورة، شتاء لم يكن كغيره من الأعوام. ففي العام الخامس للهجرة، تجمعت الغيوم الداكنة ليس فقط في السماء ولكن أيضاً في قلوب الناس، مع اقتراب غزوة الأحزاب.
تحت قيادة قريش، توحدت قبائل عربية ويهودية في تحالف عظيم، هدفهم واحد: إنهاء وجود المسلمين في المدينة. ومع تزايد أعداد الجيش المعادي، شعر أهل المدينة بالخطر يقترب.
في تلك الأوقات المحفوفة بالخطر، وقف النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) كصخرة صلبة، مصدر إلهام وأمل لأتباعه. بحكمته وبنصيحة سلمان الفارسي، اتخذ قرارًا استراتيجيًا بحفر خندق حول المدينة، وهي خطة لم تكن مألوفة في الحروب العربية.
مع كل ضربة فأس ورفعة مجرفة، شعر المسلمون بالوحدة والعزم يتقوى بينهم. كان الخندق رمزًا للإصرار والتصميم في وجه التحديات الكبرى.
ثم جاء الشتاء، شتاء قارس برياحه وأمطاره. كان البرد يقطع الأنفاس، والرياح تهز الخيام. لكن في هذا الشتاء، كان هناك شيء آخر يتحرك – شيء يتجاوز الطبيعة. كانت الظروف الجوية القاسية تعمل لصالح المسلمين، حيث أضعفت معنويات الأحزاب وقوتهم.
بينما كان الأعداء يعانون من الجوع والبرد، واجه المسلمون العاصفة بإيمان راسخ وقلوب متحدة. وفي تلك اللحظات، بدأ الأمل يشرق في قلوبهم.
أخيرًا، تحت وطأة الشتاء القاسي والخطة الاستراتيجية المحكمة، انسحب الأعداء. كانت غزوة الأحزاب قد انتهت، لكن الدروس التي تعلمها المسلمون ستبقى خالدة. لقد أظهرت هذه المعركة قوة الإيمان والتكاتف، وكيف يمكن للصبر والذكاء أن يغير مسار التاريخ.
وهكذا، في ذلك الشتاء البارد، لم تكن النجوم فقط هي من
تحكي قصص البشر، بل كانت غزوة الأحزاب تخلد كتابة فصل جديد في سجل التاريخ، فصل يروي كيف غيّر شتاء واحد مسار التاريخ إلى الأبد .