هل تفزع لي؟

✍ صالح الريمي :

الفزعة خصلة محمودة تعني المبادرة والمسارعة للاستجابة للاستغاثة، وعندنا في الحجاز الفزعة من الأمور التي تعارف عليها المجتمع، وتعد من أهم الركائز التي يعتمد عليها أفراده في المساعدة سواء كانت مادية أو معنوية، وكانت الفزعة في حقبة مضت من الزمن هي المعيار أو الحد الفاصل الذي يعكس شهامة الفرد أو القبيلة، وقد كانت في ذلك الوقت من الأمور المتعارف عليها، وهي خصلة جميلة حث عليها الدين الإسلامي من باب التعاضد والتكاتف، ولكن من خلال ما نسمع ونرى، ومن واقع أن بعض الفزعات تكون في غير مكانها وتصبح وبالًا على صاحبها..
أنقل لكم فزعة أحد الشباب وهو موظف في إحدى الشركات، وقصته عايشتها بنفسي منذ فترة، يقول الشاب: جاء إليّ صديق قائلًا هل تفزع لي؟ وكان يريد مني كفالته لدى إحدى مؤسسات التمويل للحصول على قرض شخصي بمبلغ 100 ألف ريال، وبحكم العشرة الطويلة بيني وبين هذا الصديق لم أفكر كثيرًا بالتبعات، وبادرت فورًا للموافقة على كفالته.

ويضيف قائلًا: بعد مرور 3 أشهر فوجئت باتصال من المؤسسة التمويلية تطلب مني الوفاء بدفع المبلغ عن صديقي لأنه لم يقم بسداد أقساط متأخرة عليه، وبعد الطلب منهم بالتواصل مع هذا الصديق فوجئت أنه لا يتجاوب مع اتصالاتهم، ما دفعهم لمطالبتي بالسداد باعتباري الكفيل الغارم..
حاولت التواصل مع هذا الصديق، لكنه غير أرقام الاتصال به، وحين ذهبت إليه شخصيًّا والتقيت به لأقنعه بسداد المتأخر عليه للمؤسسة التمويلية رفض السداد، ووصلت الأمور بيننا إلى المحكمة وأنا مازلت أسدد الأقساط.. انتهت القصة.

قصة هذا الشباب تذكرني بمقولة للفضيل بن عياض: (لا تكمل مروءة الرجل حتى يسلم منه عدوه)، كيف والآن لا يسلم منه صديقه، ومن يقدم وعدًا عليه أن يتأكد قبل أن يقدمه أنه قادر على الوفاء به وقادر على تنفيذه وتحمل تبعاته مهما كانت الظروف وإلا فلا داعي لأن يقدمه ويلتزم به..
قَالَ الله تَعَالَى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا)، والوفاء بالعهد من المروءة ومن أخلاق العرب، وهي كلمة لها مدلولها الكبير الواسع، فهي تدخل في الأخلاق والعادات، ولا تكمل أخلاق المرء إلا إذا كان ذا مروءة.

*ترويقة:*
من الأخلاق الإسلامية الرفيعة، والصفات المحمودة التي حثنا عليها الإسلام: الوفاء بالوعد والعهد، يقول الله تعالى عن إسماعيل عليه السلام مادحًا إياه بصفة الوفاء بالوعد: في قوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا}..
هناك كثير من الأسر تضع صناديق خاصة بالعائلة من باب الفزعة لأفرادها، ولكن لا بد أن يكون هناك معايير ودراسة لنوع الفزعات، فعلى سبل المثال فزعة الزواج حتى يكمل الرجل نصف دينه أمر محمود، وعلى هذا المنوال نقيس، أما أن نفزع في أمور قد تصل إلى بنا إلى دهاليز السجون فهذا أمر غير محمود، والمؤمن كيّس فطن.

*ومضة:*
لزم الواعد أن يدفع مقدار الضرر الفعلي الذي تكبده الموعود؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ضَرَرَ وَلاضِرَارَ).

✒️ صَالِح الرِّيمِي

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى