*لماذا تريدني أن أسمع؟*
✍ صالح الريمي :
كان عمر بن الخطاب يقول لايزال الرجل رفيعًا في عيني حتي يتكلم، فمن خلال كلامه إما أن يرتفع وأما أن ينزل إلي سابع أرض، وكان رسولنا الكريم يقول: (إن الرجل ليلقي بالكلمة لا يلقي لها بالًا فيهوى بها في النار سبعين خريفًا)، وفلترة الكلام والتريّث فيه، أمر في غاية الأهمية لاختيار الأفضل والأنسب، وللسلامة من جاهلٍ، فقد يُؤثر على حياتك، بتهمة صفة، أو النقل عنك بخطأ، أو التحذير منك على فهمٍ منه سقيم..
ومن هنا نجد أن أساس المشكلات وقطع العلاقات وشحن النفوس هو نقل الكلام بدون إتباع “قانون الفلترة”، وسأنقل لكم قصة فيلسوف زمانه سقراط الذي اشتهر بحكمته البالغة.
يقال أن شخصًا جاء إلى سقراط يقول له بحماس شديد: هل تعرف ما سمعته أخيرًا عن أحد تلاميذك؟!
أجابه سقراط: قبل أن تتكلم أريد أن أجري عليك اختبارًا بسيطًا، وهو اختبار “مصفاة المثلث”، (فلترة)..
سأله الرجل مندهشًا: وما هو هذا الاختبار العجيب؟ أجابه سقراط: هو اختبار يجب أن نجريه قبل أن نتكلم، سنبدأ في تصفية ما سوف تقوله، أول مصفاة اسمها الحقيقة هل أنت متأكد أن ما ستقوله لي هو الحقيقة أم لا؟ قال الرجل لا لست متأكدًا، أنا سمعته فقط.
قال سقراط حسنًا، إذًا أنت لست واثقًا إن كان الأمر صحيحًا من عدمه؟ فلننتقل إلى المصفاة الثانية وهى مصفاة الخير هل ما ستقوله لي هو للخير؟ فأجاب لا بل على العكس، أكمل سقراط حسنًا تريد أن تقول لي خبرًا سيئًا حتى وإن لم تكن متأكدًا من صحته؟ ومع ذلك فسوف نجرب المصفاة الأخيرة وهى مصفاة الفائدة هل ما ستقوله لي سيعود عليّ بالفائدة؟ أجاب الرجل في خجل لا ليس له فائدة، ختم سقراط الحديث بقوله إذًا مادام ماتريد أن تقوله لست متأكدًا من حقيقته، ولا هو للخير، وليس له فائدة، فلماذا تريدني أن أسمع؟ أنتهت القصة.
من القصة تولدت لدي تساؤلات؛ هل مر أحدكم بموقف مشابه؟ هل كنت جالسًا في يوم مع أحد ما فإذا به يتكلم عن أحد معارفك بسوء؟ وماذا كان ردة فعلك؟ هل شعرت بالأسى أو الْحزن، أو الأذى النفسي لسماعك هذا الكلام؟ هل تملكك شعور بالغضب أو التساؤل عن الأسباب التي دفعت هذا الشخص للتحدث عمن تحب بهذا السوء؟.
إنها الغيبة والنميمة وما تحدثان من آثار سيئة في النفوس، ومن ثم في خلخلة العلاقات الاجتماعية، ويبدو أن علينا اليوم، أن نستخدم فلترًا للكلام الذى نسمعه من الآخرين! فقد أصبحت الحقائق ممزوجة بالأكاذيب وخاصة في عالم مواقع التواصل التي يصعب علينا تنقيتها تلقائيًا.
*ترويقة:*
في الأثر: أن رجلًا ذكر للخليفة عمر بن عبدالعزيز رجلًا بشيء، فقال عمر: إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذِبًا فأنت من أهل هذه الآية: ﴿إنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبإٍ فَتَبَيَّنُوا ﴾، وإن كنت صادقًا فأنت من أهل هذه الآية: ﴿هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بنَمِيمٍ﴾، وإن شئت عفونا عنك، قال: العفو يا أمير المؤمنين، لا أعود إليه أبدًا.
*ومضة:*
قال صلّى الله عليه وسلّم: (أتَدْرون مَن الْمُفْلِس؟) قالوا: الْمُفلس فينا مَن لا درهم له ولا متاع، فقال: (إنَّ الْمُفلس من أُمَّتِي يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيام وزَكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإنْ فَنِيَت حسناتُه قبل أن يُقضَى ما عليه، أُخِذ من خطاياهم فطُرِحت عليه، ثُمَّ طُرِح في النَّار).
*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*