النفس ومنها لها
✍عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون :
في بعض أمور حياتنا، في أنفسنا أو من حولنا، نرى أن الالتزام بالسلوك الأمثل يكون بعد استشعارنا بوجود مراقبة علينا، وهذا واضح مثلا في أحوالنا مع قوانين المرور في الطرق أو كاميرات المجمعات وغيرها، وبالعموم تكون هذه المراقبة لكبح جماح المتفلتين كي لا يسيؤوا استخدام المرافق أو لا يتعدوا على حقوق أو خصوصيات الآخرين، فإذا انعدمت أدوات الرقابة فحدّث بعد ذلك ولا حرج، كما حدث في ليلة انقطاع الكهرباء في مدينة نيويورك لليلة واحدة فقط قبل سنوات، أما من أراد الحياة السعيدة المتناغمة مع من حوله من الكائنات فإنه يكوّن لنفسه منها رقيب بعد استشعاره المراقبة الدائمة لله رب العالمين، مصحوبا بمحبته والحياء منه على ما يوليه علينا من كثرة النعم، مع سداده لنا وتوفيقه فيما لا نحصي من الخطوات، واصطفائه لنا دون بقية خلقه بالهداية والحماية والسعادة النفسية، وإحساسنا دوما أنه سبحانه وتعالى معنا، وكذلك اللجوء إليه لنبثه ما يعتلج في صدورنا من هموم، أو آمال نطمئن بعدها أن ما سيحدث هو بلا شك الأصلح لنا.
كما أن هذه المعية مع الله تمنع من إتيان ما ينقص المروءة …
وإذا خلوت بريبة في ظلمة
. والنفس داعية إلى الطغيانِ
فاستح من نظر الإله وقل لها
. إن الذي خلق الظلام يراني
ولعله قد مرت عليكم ضمن قراءاتكم واطلاعاتكم حكايات كثيرة في هذا الشأن، وهنا أذكر واحدة منها…
قال نافع: خرجت مع ابن عمر في بعض نواحي المدينة ومعه أصحاب له فوضعوا سفرة فمر بهم راع…
فقال له عبد الله: هلم يا راعي فأصب من هذا الزاد…
فقال: إني صائم…
فقال له عبد الله: في مثل هذا اليوم الشديد حرّه وأنت في هذه الشعاب في آثار هذه الغنم وبين الجبال ترعى هذه الغنم وأنت صائم…؟
فقال الراعي: أبادر أيامي الخالية…
فعجب ابن عمر وقال: هل لك أن تبيعنا شاة من غنمك نجتزرها ونطعمك من لحمها ما تفطر عليه ونعطيك ثمنها…
قال: إنها ليست لي؛ إنها لمولاي…
قال: فما عسيت أن يقول لك مولاك إن قلت أكلها الذئب…؟!
قال: فأين الله …؟؟؟
قال: فلم يزل ابن عمر يقول: فأين الله …
فلما أن قدم المدينة بعث إلى سيده فاشترى منه الراعي والغنم، فأعتق الراعي ووهب له الغنم، وقال له: أعتقتك كلمتك في الدنيا، وأسأل الله أن تعتقك في الآخرة…
إذا ما خلوت الدهرَ يوماً فلا تقل
. خلوتُ ولكنْ قل عليَّ رقيب
ولا تحسبن الله يغفلُ ساعةً
. ولا أن ما تُخفي عليه يغيبُ
وفي توجه للنفس واختيارها قال أبو العتاهية: لقيت أبا نواس في المسجد الجامع، فعذلته وقلت له: أما آن لك أن ترعوي…؟
أما آن لك أن تزدجر…؟
فرفع رأسه إلي وهو يقول:
أتراني يا عتاهي
. تاركا تلك الملاهي
أتراني مفسدا بالنس
. ك عند القوم جاهي
قال فلما ألححت عليه في العذل أنشأ يقول:
لن ترجع الأنفس عن غيها
. ما لم يكن منها لها زاجر
فوددت أني قلت هذا البيت بكل شيء قلته.