وادي الدواسر تفقد “مبارك آل مسلم” أحد أبرز قياداتها التربوية
✍ مبارك بن عوض الدوسري :
الموت حقٌ ونهاية كل حي، وهذه سُنَّة الله في خلقه، وفي الآية الكريمة 34 من سورة الأعراف {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ}.
ودعت محافظة وادي الدواسر عامة؛ ورجالات التربية والتعليم خاصة يوم الخميس الثاني من جمادى الأولى عام 1445هـ، السادس عشر من شهر نوفمبر 2023م، أحد أهم رموزها التربوية الرجل الفاضل، والمربي الجليل، والشخصية الاجتماعية المرموقة الوالد مبارك بن سالم بن عثمان آل مسلم ، الذي أمضى 42 عاماً من عمره في خدمة التربية والتعليم معلماً وإدارياً تنقل خلالها لتأدية رسالته العظيمة ما بين محافظته ومسقط راسه وادي الدواسر، وفي تعليم محافظة المجمعة، وفي وزارة التعليم – المعارف سابقاً- أنجز خلالها الكثير وترك أثراً سوف يبقى ماثلاً في القلب والوجدان، حوى خلالها مع من تعامل معه بالشهامة والنبل وصدق المعاملة والكرم وحسن الحديث ولطف المعشر.
كان لخبر وفاته في مجتمع وادي الدواسر وكل من عرفه رنة حزن لما له من فضل على كثير من الناس وخاصة طلابه، ولما يتمتع به رحمه الله من روح أخلاقية فاضلة، وتواضع جمّ ، ووفاء لمجتعه حيث كان له – رحمه الله- في المحافظة الاسم والمكانة الاجتماعية والإنسانية والثقافية في كل المناسبات عندما كان قادراً على العطاء، وما درس وفاء المجتمع بتأثره بخبر وفاته إلا تأكيد على أن تلك الشخصية أعطت وبذلت وخططت وساهمت بكل أخلاص حتى تحقق ما تحقق للتعليم في وادي الدواسر من تميز سواء على مستوى منظومة التعليم أو على الأفراد من طلابه الذين يتسنمون اليوم المراكز العليا على مستوى البلاد ويشهدون أنه كان احد اهم الأسباب بعد توفيق الله فيما وصلوا اليه من نجاحات.
تجربة شخصية
لقد كنت من المحظوظين جداً أن كنت من الذين تتلمذوا على يديه ما بين أعوام 1398هـ وحتى 1400هـ في متوسطة النويعمة حيث كان مديراً للمدرسة ومن ثم زاملته في إدارة التعليم ما بين أعوام 1405هـ حتى تقاعده في 1 رجب 1418هـ، وكنت ممن تشرف بفكرة إقامة حفل تكريمي شخصي له بمناسبة تقاعده النظامي، حيث أسهمت مع مدير مكتب مدير تعليم المحافظة في ذلك الوقت الأخ عبدالرحمن محمد السويس في إقامة حفل تكريمي شخصي يُعد هو الأول من نوعه بمركز التدريب الكشفي وذلك في مساء يوم الأربعاء 9 صفر 1419هـ الموافق 3 يونيو 1998م، بحضور مُدير تعليم المحافظة – آنذاك- علي بن ناصر دهش الوزرة- رحمه الله – وعدداً كبير من زملائه وطلابه وأبنائه، والعجيب وهذه من الصفات الكبيرة التي تعكس معدن الرجل النفيس واصالته وأدبه أنه بعد ذلك التقاعد استمر بالتواصل والسؤال مع كل من تعرف عليهم ، بل والحرص على المشاركة الاجتماعية في مختلف مناسباتهم، وصفه احدهم في أحد المناسبات من أنه “محبوب الجميع، المتواضع الذي لا تمل مجلسه، تطرب لحديثه بطرافته وحكمته وابتسامته التي لا تفارق محياه”.
مبارك آل مسلم الشخصية القدوة .
من خلال معرفتي به طالباً ثم زميلاً كان حريصاً – رحمه الله – على القدوة الحسنة للطلاب وللمعلمين بل وحتى الإداريين، كان يهتم بتنمية القيم التربوية الخُلقية وغرسها، وكان شديد الحرص على الظهور بالخلق والسلوك السوي، بل أكاد أجزم أنه غير حياة الكثيرين للأفضل نتيجة تأثيره عليهم بالقدوة التي اكتسبوها من شخصه حيث أسهم في بناء شخصياتهم وتكوين اتجاهاتهم باكتسابهم للقيم التي شاهدوها ماثلة أمامهم وهو ما نتمناه اليوم في معلمينا ومن هم يتولون مباشرة العمل المتعلق بهم وبمستقبلهم وحياتهم .
مسيرته التعليمية والوظيفية:
لقد كانت مسيرة الراحل الذي ولد عام 1358هـ في الولامين بوادي الدواسر قصة كفاح حيث بدأ تعليمه النظامي في مدرسة العقيق “الدواسر” سابقاً، وتخرج من المرحلة الابتدائية عام 1374هـ، وبدأ عمله معلماً في مدرسة الشرافاء عام 1375هـ وعمره حين ذاك 18 عاماً، أنتقل بعدها معلماً في مدرسة العقيق ، ثم مدرسة علي بن أبي طالب، ثم مُديراً لابتدائية الولامين ، وفي عام 1384هـ اصبح أمين عام مكتبة جهاز وزارة التعليم ، ثم سكرتيراً لعمادة التفتيش الفني بالوزارة، وما بين أعوام 1389هـ حتى عام 1400هـ تولى إدارة متوسطة النويعمة، رُشح بعد ذلك مساعداً لمدير تعليم المحافظة للإدارة الفنية – الاشراف التربوي حالياً- ، ومن ثم كُلف بإدارة المتابعة، انتقل بعدها مديراً للمتابعة بتعليم المجمعة، ثم مديراً للمتابعة بتعليم وادي الدواسر مرة أخرى، وفي عام 1418هـ كُلف مفتشاً مركزياً بوزارة التعليم ، عاد بعدها الى تعليم وادي الدواسر حتى تقاعده .
وخلال عمله تم اختياره عام 1408هـ عضواً في مجلس خدمة المجتمع والتعليم المستمر في المعهد العلمي بالمحافظة، واختير بعد تقاعده عضواً بالمجلس المحلي بالمحافظة عام 1424هـ، وكان قد أسهم عام 1379هـ في إنشاء مكتبة الولامين الخاصة، كما كان في صغره أحد الطلاب الذين تم اختيارهم لتقديم إحدى الفقرات أمام جلاله الملك سعود بن عبدالعزيز – رحمه الله – عندما زار المحافظة عام 1373هـ .
رحم الله الفقيد الغالي أبوسالم رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وأنزل عليه شآبيب رحمته، ووابل غفرانه، وجعل ما قدم في موازين حسناته، وشاهدًا له على حسن العمل، وسلامة النية، وصواب القصد، وقبل منه ما بذل من جهد، وألهم أهله وفاقديه من طلابه وزملائه ومحبيه الصبر والسلوان والاحتساب، إنه نعم الجواد المجيب، وصل الله على نبينا محمد.