بين طوفان الاقصى والحرب الاوكرانية، عمليات قيصرية لولادة العالم الجديد

✍ ميخائيل عوض – بيروت ؛ ١٨/١١/٢٠٢٣ :

مازال العالم الانكلو ساكسوني الشائخ والمتداعي الاركان بعد ان استنفذ مشروعياته التاريخية، وكل عمليات التجميل والترميم، يقاتل ويبذل ما يستطيع للحؤول دون ولادة العالم الجديد الذي تستوجبه طبائع الامور وحاجات الحياة البشرية للتقدم والرقي . 

فقد بلغ العالم الانكلو ساكسوني زمنه الاخير.
بعد هيمنة الولايات المتحدة الامريكية وتعجرفها بقيادة العالم وفرضها قيمها وانماط حياتها على البشرية، وممارسة حروب التدمير المنهجية للدول والشعوب التي لم تستجب وتتساوق معها. وعادت في غزو افغانستان والعراق وليبيا الى وسائل الاستعمار القديمة باحتلال البلاد بزعم إنتاج الامم والهدف صياغتها على مقاس مصالح النخبة المهيمنة في الرأسمالية في حقبتها الاكثر توحشا وليبرالية. وافتعلت الازمات والحروب الهجينة لتدمير سورية واليمن ولبنان وفنزويلا وحيث تمكنت لإزالة العقبات من طريقها وتيسير محاولاتها لفرض قرنها الامريكي، وتامين فرص اجهاض صعود اوراسيا.
بأفعاله التدميرية وبحروب الحصارات والعقوبات والاحتلال والابادة، وفرض القيم قسرا على الامم والشعوب،  اتسعت المقاومة وتصلبت كخيار محوري للحؤول دون الهيمنة الامريكية الانكلو ساكسونية التي تركزت لخمسين سنة في بلاد العرب والمسلمين وخيضت الحروب الكبرى في بر وساحل الشام، وادت الى استنزاف وهزيمة المخططات والمشاريع التي وضعت لتطويع المنطقة وكسر اراداتها والثأر منها لظفرها بالانتصارات ومراكمتها، واستعصت معها حالة المخاض الدموية القاسية فقد هزمت الغرب وامريكا في كل الحروب ولم تنجح في صياغة وانتاج مشروعها البديل.
فقد بات العالم الانكلو ساكسوني عبئا على الحياة البشرية ومستقبلها، بعد ان نهب وافقر الامم والشعوب وركز الثروات بيد حفنة معدودة على الاصابع من العائلات والقطاعات الاقتصادية كمثل لوبي المال والمصارف، ولوبي صناعة الحروب وتمويلها، ولوبي المؤسسات عالية التقانة والفاعلة في ادوات العالم الافتراضي والشبكات….
ولان مقاومة العرب والمسلمين وفرت الاسباب والشروط لتقدم وصعود اوراسيا، وحفزت على المقاومة والتمرد في وجه العدوانية الظالمة والمتوحشة، وبعد ان اختبرت روسيا قوتها من المنصة السورية اثر عاصفة السوخوي التي تجرأت عليها ردا على اسقاط اوكرانيا تحت النفوذ الانكلو ساكسوني ولحماية روسيا من مخاطر الحصار والتفكيك والعبث بوحدتها القومية بادر بوتين لعمليته العسكرية الخاصة في اوكرانيا.
فاستنفر الغرب كل قوته وادواته وسارع الى تحويلها من عملية خاصة(حرب محدودة) الى حرب شاملة كأول مرة في تاريخ الحروب بمثابة دلالة على ان العالم القديم لن يترك الامور تجري بسلاسة ويمانع ولادة العالم الجديد بديلا عن هيمنته.
طالت الحرب الاوكرانية اكثر من المتوقع وارتفعت اكلافها بصورة مهولة. ما استدعى انفجار الحرب في ساحة جديدة اهم واكثر نوعية وتأثيرا في تسريع الولادة المستعصية فكانت عملية طوفان الاقصى العجائبية والاستثنائية بمثابة الشرارة التي اطلقت وستطلق ديناميات تغيرات جوهرية وعميقة في ميزان القوى في الاقليم والعالم وسيكون للتحولات اثرا كبيرا في تسريع ولادة العالم الجديد ودفن العالم الانكلو ساكسوني.
فمسارعة امريكا والاطلسي لدخول الحرب بكل قوتها وتحشيد الاساطيل والجيوش وقيادة الدبلوماسية، والحرب العسكرية مباشرة بعد ان كشفت طوفان الاقصى خواء، وضعف اسرائيل وتحالفاتها العربية والاقليمية، ووضعتها امام نهايتها الحتمية التي تجري في العدوان على غزة وانخراط محور المقاومة في الحرب فتح ستة جبهات على اسرائيل وعلى الوجود الأمريكي في العراق وسورية والبحر الاحمر.
هكذا تبدو اوجه الشبه والتماثل والتفاعل بين طوفان الاقصى والحرب الاوكرانية، فكلتاهما بدأت بنوايا ان تكون عمليات محدودة وخاصة، ولم يكن بافتراض المبادرين انها ستتحول الى حروب شاملة.
الا ان مازق وازمات العالم الانكلو ساكسوني وشعوره العميق بان ايامه العادية باتت معدودة وتنفذ وتتراجع حدود قوته وهيمنته، وانه يعيش زمن السقوط والتداعي.
نراه يبذل كل ما تبقى له من عناصر القوة والتحالفات والقدرات، وينخرط بالحرب مباشرة، ويغطي عدوانية همجية تخالف كل قواعد ونظم وقوانين الحروب والقانون الانساني الدولي، ويحمي اسرائيل في عدوانها الذي يتركز بالقصف على المشافي وفرق الاسعاف ومؤسسات الخدمات والتامين الانساني والحياتي وعلى جموع النازحين في العراء وبتدمير المنازل والابنية المدنية بطريقة غير مسبوقة حتى في الحروب العالمية.
بالمقابل والمنطقي ان القوى والشعوب والامم التي تمردت على الإملاءات الامريكية وخاضت حروب المقاومة وصمدت وانتصرت في الحروب ان يشتد ساعدها وان تتعاظم قوتها بالتفاعل بين الجاري في اوكرانيا وبين الصين وامريكا ونهوض الشعوب في امريكا اللاتينية وافريقيا  وامريكا نفسها، والاتحاد الاوروبي وتسارع سعي الشعوب والامم المتضررة من عدوانية وتوحش العالم الانكلو ساكسوني للاستثمار بأزماته ومازقه وهزائمه وحري بها ان تتضامن مع غزة واطفالها وان تنهض للمساندة ومحاصرة النفوذ الغربي ومن شأن انتصار غزة ومحور المقاومة المحسوم وغير المشكوك باحتمالات الحرب ان يطلق تفاعلات وتحولات عالمية غير مسبوقة. من الثابت والمؤكد والمنطقي ان تسارع تراجع وتعمق ازمات نخب ودول العالم الانكلو ساكسوني ستشكل فرص ذهبية للأمم والشعوب الراغبة بالتحرر والتخلص من عدوانية العالم لانكلو ساكسوني،  فمن المؤكد والمنطقي ان تسهم حربي غزة واوكرانيا بتسريع الازمات والانحسار والانكشاف على العجز  والهزائم .

فتشكل حرب غزة وطوفان الاقصى العملية القيصرية الثانية لتسريع ولادة العالم الجديد .

هكذا يجب النظر والتعامل مع حرب غزة ومجرياتها وانخراط المحور وجبهاته النشطة، والنهوض الشعبي العربي والعالمي المتعاظم، والتحولات الجارية والمتسارعة في شتى المسارح والميادين .

وتبادل المنافع بين الحرب الاوكرانية وحرب غزة والنهوض الشعبي العالمي للتضامن مع غزة ورفض ممارسات اسرائيل وحلفها المتوحش تتقاطع فتنحسر قدرات اوكرانيا والدعم الامريكي الاطلسي لها ما يعزز فرص روسيا بتحقيق غايتها، وانتصار روسيا واستنزاف الاطلسي في الحرب مع محور المقاومة سيعزز مكانة الصين ودورها وقد بحول دون وقوع الحرب في تايوان وبحر الصين التي كان ينتظرها الكثيرون وانتصار روسيا وصعود الصين سيعزز بالضرورة من قوة وفرص المحور ويسهم بتمكين غزة من انتصار تاريخي يدشن مسيرة تحرير فلسطين من البحر الى النهر.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى