شخصيات ارتبطت بفلسطين البطل احمد عبدالعزيز
د. فايل المطاعني :
كان بينه وبين الدخول الى القدس ليلة واحدة فقط
هنالك أبطال.. لا يمكن حصرهم في حدود دولهم.. لأن أعمالهم الكبير واسعة الأفق.. هم أبطال للأمة كلها.. من مقدمة هؤلاء المقدم أحمد عبدالعزيز.. المسمى البطل أحمد عبد العزيز.. مصري الجنسية عربي الوطن إسلامي النزعة.
كان قائدا للمدرعات في الجيش المصري.. ثم انتدب محاضرا في الكلية الحربية لتديس القيادة والأركان.. تخرج على يديه بعض مجموعة ستعرف لاحقا بالضباط الأحرار.. ومن ضمن طلابه الفريق سعد الدين الشاذلي مهندس حرب أكتوبر ١٩٧٣م.. غرس فيهم الشرف العسكري بجدارة.
بعد ما وصله الخبر المحزن باحتلال اليهود لفلسطين سنة ١٩٤٨م والمجازر الحاصلة في الناس والأطفال.. وبعد ما تواطأت الحكومات العربية في الجهاد.. تقدم إلى وزير الدفاع “حيدر باشا” بطلب غريب.. لعله أول طلب يقدمه ضابط عربي لحكومته.. كان الطلب: التطوع للجهاد في تحرير فلسطين.. التطوع منفردا بدون مسؤولية الحكومة عن إرادته.. وبعد إلحاح مستمر.. جاءت الموافقة.. وبذلك رفع الحرج عن تخاذل حكومته.. ورفع عن رغبته القيود للجهاد.. فتجمع معه جيش من المتطوعين.. قام بتدريبهم.. ثم بمنطلق وأعدوا لهم ما استطعتم.. سار زحفا بهم نحو الأقصى.. ليس بينه وبين الله أحد.. ضحى بامتيازاته هو ومتطوعوه.. وكان من بينهم ضباط وأفراد.. هبوا ووهبوا حياتهم لنصرة الله.
من خطبه المحفزة لرجاله: “إنكم الآن تسطرون أفضل أسطر التاريخ أيها الأبطال.. وهذه الصفحات يجب أن تكون بيضاء ناصحة مشرفة بنور الإيمان… وأن جزاء المجاهدين في سبيل الله إحدى الحسنيين”.. ومع ذلك ظل يخطط للحرب بما تعلمه من خبرات.
وظل متواصلا يخاطب قياداته في مصر رغم تنازله عن رتبته.. وكانت ضمن خطاباته: أن الحرب مع الصهاينة يكون حرب عصابات لا حرب رسمية.. لأن التعامل مع العصابات يكون مثله.. ثانيا حرب الجيوش يمنح الصهاينة صفة رسمية.. وهذا ما لا ترضاه عقيدته.. تمعنوا في مدى عقليته وحنكته.
بعد استطلاعه شخصيا لأراضي فلسطين ومواضع تمركز الاحتلال بدأ البطل أحمد بدير البلح كأهم المعاقل وحررها.. ثم قرية بعد قرية.. وبدأت تنتشر عنهم البطولات مما هيج الجيوش العربية وألهمت قادتهم إمكانية النصر.. فجاء القرار بمشاركة كل الدول العربية في الحرب.
وفعلا تقدمت الجيوش العربية مهلمة بكتيبة أحمد عبدالعزيز.. وبمعنوايتهم الهائلة استطاعوا كسر شوكة الصهاينة والإنجليز.. لكن بخسة الأمم المتحدة صدر قرار هدنة.. وهي تحت الطاولة خدعة للعرب.. من خلالها تمكنت أوروبا من إرسال جيوشها ومعداتها لميدان الحرب وإيقاف المسلمين.. وفعلوا.. لكن ظل بطلنا يشق طريقه.. رغم العنف الحاصل بين الجيوش العربية والأوروبية.. وليس غريبا أن يستعان بكتيبته أحيانا في المعارك الشرسة.. وظل في تقدمه حتى وصل بما لا يفرق بينه وبين الأقصى إلا ليلة فقط.
كانت ليلة حاسمة، طلب في اجتماع مع قائد القوات العربية في القدس بعيدا عن معسكره.. والطريق مليئة بالمعارك.. نصحه أركانه بعدم الذهاب للخطر الحاصل، فأجاب: قل لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا.
حضر الاجتماع وأثناء عودته.. انطلقت بالخطأ من إحدى المعسكرات العربية وابل من الرصاص على سيارته.. ظنوا أنها سيارة معادية.. ولما تفحصوا من بداخلها وجدوا البطل قد غادرت روحه إلى بارئها للأسف.. كان ذلك يوم ٢٢ أغسطس ١٩٤٨م.
دفن شمال بيت لحم، وعمل له نصب تذكاري يخلد بطولاته وتضحياته.. في أرض ذهب إليها مضحيا برتبته ومستقبله الوظيفي.. بل بحياته التي باعها لنصرة قضية الإسلام.
لكن لم توقف المتطوعون عن إكمال المسير والتحرير؟.. هنا أدركت قرار عمر بن الخطاب لما عزل خالد بن الوليد.. أن النصر في قلوب الناس بات مقرونا باسم بعينه.. يوجد النصر حيث يوجد خالد.. وهذا خطأ مصيري.. تداركه الفاروق.. فالتعلق الصحيح يكون بالقضية والإيمان بها.. وليس بالأشخاص.. فلا يهم المسمى.. المهم المواصلة حتى تتحقق الأهداف.. لذلك ظلت الفتوحات مستمرة لم تتوقف بموت خالد ولا صلاح الدين ولا غيرهما..
ومع ذلك نقول يهب الله من يشاء بما يشاء من خيره.. وبحكمته تعالى لم يشاء أن يهب جنديه أحمد عبدالزيز الفتح المبين.. هي حكمة الله.. كما لم يهب الفتح الأول لأبي بكر الصديق.. فكانت في عهد ابن الخطاب.. وكلهم أحبابه.. ولم يهب الفتح الثاني لعماد الدين زنكي رغم انه أول من بدأ بالجهاد وتوحيد الأمة.. ولا لابنه نور الدين محمود زنكي.. رغم مواصلته للجهاد وقد قام بصناعة محراب للمسجد الأقصى (حرق بالعقد الماضي من قبل الصهاينة).. لكنه جل جلاله وهبه للسلطان الثالث صالح الدين.. هو أعلم أين يضع رسالته.
ولربما يكرم الله اسما جديدا يكون رمزا للتحرير.. وذاك المنصب ما زال شاغرا.. لكن في المقابل قائمة الخونة مملوءة جدا.. تعرفونها.
اللهم انصر المجاهدين واكسر شوكة الظالمين أجمعين.