الدعم الإسلامي للقضية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال

د. عبدالله بن معيوف الجعيد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي يثبت أولياءه بالصبر واليقين، فيجعل عاقبتهم النصر والتمكين.
والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي بعثه الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن اقتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد فقد علم القاصي والداني ما يواجهه قطاع غزة، وهو المنطقة الفلسطينية التي تقع على الساحل الشرقي من البحر الأبيض المتوسط؛ من تحديات وصعوبات كبيرة على مدى العقود الماضية، وذلك بسبب العدوان المستمر والحصار المفروض من دولة الاحتلال على القطاع بصفة خاصة، وعلى الفلسطينيين بصفة عامة.
ونتيجة لهذين الأمرين الأمرَّين: العدوان والحصار تافقمت معاناة سكان غزة قطاع غزة ذوو الأغلبية المسلمة من ظروف معيشية بالغة التعقيد، ويحتاجون إلى المساعدات الإنسانية والدعم الإنساني من الدول الإسلامية المختلفة، وخاصة بعد العدوان الهمجي والقصف العنيف الذي شنَّه الاحتلال على القطاع، مما نتج عنه سفك دماء الأبرياء، وأغلبيتهم من الأطفال والنساء، وتدمير البنى التحتية، بزعم محاربة حركة المقاومة الفلسطينية حماس، وذلك بعد عملية طوفان الأقـصى التي قامت بها كتائب القسام وفصائل أخرى ضد دولة الاحتلال، في السابع من أكتوبر لعام 2023م.
ولا بد من التنبيه إلى تصحيح التوصيف الذي دَأَبَ الإعلام الغربي، والساسة الغربيون على تقديمه لعدوان الاحتلال على القطاع وعلى الضفة، فيختزلون التاريخ ويُلغون ما قبل يوم السبت السابع من أكتوبر، وكأنه بداية الـصراع العربي الإسلامي مع قوى الاحتلال، ثم يكتفون بترديد حق الكيان المحتل في الدفاع عن نفسه!
والحقيقة أن الفلسطينيين هم الذين يدافعون عن أنفسهم وعن أرضهم ومقدساتهم؛ لأن بداية الـصراع كانت عندما تجمَّع إلى أرض فلسطين الإسلامية العربية التي تضم مسرى رسول الله عليه وسلم ـ تجمع إليها أشتات من اليهود من مختلف القارات تحْدوهم أيدلوجية صهيونية برَّرتها لهم قوى الاستعمار، وفي مقدمتها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، التي مكنتهم وساعدتهم على تقتيل وتهجير ملايين الفلسطينيين من قُراهم وبلداتهم، وبناء مستوطنات فيها، غير مبالين بمقررات الشرعية الدولية، ولا بالمواثيق الإنسانية، ولا بالمبادرات العربية التي قدمت لحل هذا الصراع.
وفي ظل انتهاكات الاحتلال التي شبَّ عليها شباب فلسطين، وشاب عليها كهولها، من مجازر واعتقالات، ومذابح واغتيالات، إضافة إلى قضم الأرض وتقطيعها بالمستوطنات وجدران الفصل العنـصري، وتدنيس المسجد الأقـصى بالاقتحامات ومضايقة المصلين فيه، بل والاعتداء عليهم، وتقنين الاحتلال لدخوله…
في خضم ذلك كله لم يستسلم الفلسطينيون ـ ومن خلفهم العرب والمسلمون وأحرار العالم ـ لقوى الاحتلال، ولم يبرحوا ميدان مقاومة الاحتلال بشتى الطرق المتاحة، والتي لم تستثن منها القوانين الدولية ولا الـشرائع السماوية ولا الأعراف السائدة في بني البشـر ـ استعمالَ القوة؛ لردع الباغي، وقمع المغتصب، واستعادة الحقوق المنهوبة.
وفي كل مرة يقوم فيها الفلسطينيون بمختلف أديانهم وفصائلهم برَدَّةِ فعل على جرائم الاحتلال، تخرج لنا الآلة الإعلامية والسياسية للاحتلال وداعميه في مآتم النياحة على الإنسانية وحقوق الإنسان، وفي أثناء ذلك تقوم القوات المسلحة للاحتلال بكل ترسانتها التي يمدها بها الغرب ـ بحملات إبادة وتقتيل وتدمير لكل ما هو فلسطيني، ويُمعنون في استهداف النساء والأطفال، والمدارس والمساجد والكنائس والمخابز، والبُنى التحتية بصفة خاصة.
وقبل ذلك وفي أثنائه يُطْبقون حصارا ظالما، لا يفرق بين الماء والبنزين، ولا بين الغذاء والدواء، وهذا الواقع المرير المتكرر قد ضاعف آلام الفسلطينيين عموما، وأهل القطاع خصوصا.
وفي ظل الأوضاع الراهنة حيث يسقط مئات الشهداء في القطاع في كل أربع وعشرين ساعة، فإن قطاع غزة يحتاج بشكل فوري وعاجل إلى الموارد الأساسية، بما في ذلك المواد الطبية والغذائية، والمياه النظيفة والوقود؛ لمعالجة النقص الحادّ في الموارد الحياتية الأساسية، الناتج عن الحصار والقيود المفروضة من الاحتلال.
فواجب الجمعيات والمنظمات الإسلامية المختلفة أن تبادر بإغاثة المنكوبين في القطاع، وذلك بتزويدهم بالإمدادات الإنسانية الأساسية، وإطلاق قوافل المساعدات من مختلف الدول الإسلامية.
كما يقع على عاتق البنوك الإسلامية مسئولية إغاثة القطاع من خلال المنح والقروض العاجلة لدعم البني التحتية المدمرة في كل أرجاء القطاع.
والمأمول من الدول الإسلامية: السعي بشكل فعال وكبير إلى دعم القضية الفلسطينية، من خلال المشاركة في إعادة الإعمار للمرافق والبُني التحتية التي دمرتها الحرب على مدى الأعوام السابقة، بما في ذلك المستشفيات والمدارس ومحطات الطاقة والصرف الصحي، حيث تقدم الدول الإسلامية التمويلات والمساعدات الفنية والفرق التطوعية التي تشارك في عمليات البناء والإعمار في قطاع غزة.
كما يجب أن تستغل دول العالم الإسلامي نفوذها السياسي والاقتصادي من أجل الدعوة إلى تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، والضغط على الاحتلال لوقف الحرب ورفع الحصار عن قطاع غزة.
وتقدم منظمة التعاون الإسلامي وسائل الدعم المختلفة من أجل تلبية احتياجات التنمية في غزة من خلال الجهود والمفاوضات القائمة على تحقيق السلام الشامل والعادل، وإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
وخلاصة الأمر أنه في مواجهة هذه الشدائد المستمرة: فإن ضمير الإنسانية ومـقتضى الأخوة الإيمانية يوجبان على المجتمع الإسلامي العالمي أن يساعد في توفير الدعم المعنوي والمادي الحيوي لشعب غزة، من خلال مبادرات المساعدات، وإعادة الإعمار والدعوة والتعليم.
حيث إن استمرار المساعدات من الدول والمنظمات الإسلامية سيساعد في تخفيف الوضع الإنساني، حتى يتم التوصل إلى حل عادل شامل يضمن صون المسجد الأقصى من انتهاكات الاحتلال، والمقدسات الإسلامية والمسيحية التي هي أمانة في أعناق المسلمين، ويحمي الشعب الفلسطيني من التعامل الوحــشي من قبل قوات الاحتلال الغاشمة.
وليعلم كل مسلم وكل عربي وكل إنسان ذي ضمير حيٍّ أن تقديم هذه الإعانات ليس مِنَّةً من أحد، وإنما هو قيام بما يوجبه ضميره ودينه وانتماؤه، ففي الوقت الذي تتزاحم فيه الوفود الغربية إلى الأراضي المحتلة مواساة وموازرة للاحتلال، وترسو السفن والطائرات بالمعونات المقدمة للمحتلين من بني جنسهم ديانة وعرقا..
فمن المعيب أن يتأخر العرب والمسلمون في تقديم العون والدعم لإخوانهم المظلومين، والذين يدافعون نيابة عنهم ويحمون بأرواحهم ثالث أشرف مساجد المسلمين، ومـسرى رسول رب العالمين، صلوات الله وسلامه عليه، وهو القائل في الحديث الصحيح: «مَا مِنَ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، إِلَّا خَذَلَهُ اللهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ. وَمَا مِنَ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ، إِلَّا نَصَـرَهُ اللهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ».
وهذا الحديث فيه الترهيب من عدم نصرة المسلم لأخيه المسلم مع القدرة على نصرته، سواء بالقول أو بالفعل، وذلك إذا تعرض لإهانته أو ضرب أو قتل أو نحو ذلك، وأن فاعل ذلك متوعد من الله بالخذلان في موطن يحب أن ينـصر فيه، وهذا شامل لأحوال الدنيا والآخرة.
كما فيه الترغيب في نصرة المسلم لأخيه المسلم بقدر وسعه وطاقته إذا تعرض لموقف ضيم، تنتهك فيه محارمه التي أمر الله بحفظها، وأن فاعل ذلك موعود من الله تعالى بنصرته إذا تعرض للنكبات والأزمات التي يحتاج فيها إلى النـصرة، وهذا يشمل حال الدنيا والآخرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى