المفهوم العام للشعر الشعبي و تاريخه
الدكتور حمام محمد زهير _ جامعة إبن خلدون تيارت / الجزائر
نقلها محمد غاني _ الان
قدم منذ فترة غير وجيزة الدكتور حمام محمد زهير من ولاية تيارت محاضرة قيمة تناولت المفهوم العام. للشعر الشعبي من حيث تعاريفه و مفاهيمه و نظرا لاهمية هذه المحاضرة التي أقبل على الحضور لسماعها و الاستفادة من فحواها عشرات المهتمين منهم شعراء و اساتذة جامعيون و طلبة و لقيت اعجابهم و استحسانهم الى حد بعيد خاصة في ظل تجند الكثير من الشعراء و الاساتذة الاكاديميين للغوص في خبايا و دهاليز الشعر الشعبي كلون ادبي اصبح يسعى لقرضه الكثير من الشعراء خاصة المبتدئين منهم و يحاولون في شتى المناسبات ان يبرزوا فيه دون غيره من الألوان الشعرية الاخرى اما لسهولة القول فيه او لسلاسة تماشيه و احتوائه على الأغراض المستمدة من الطابع الاجتماعي الجزائري و نظرا من جهة اخرى للاختلاط على الكثير من الشعراء بخصوص الفرق بين الشعر الشعبي و الملحون
ننشر هذه المحاضرة الهامة مساهمة في التعريف الاصح للشعر الشعبي و محاولة تبسيط أسس و معالم تكونه كما جاءت على لسان الدكتور الاكاديمي حمام محمد زهير
في البداية يجب تعريف العناصر التي لها علاقة بمصطلح الشعر ومنها مفهوم كلمة “الشعبي” التي تعني ”الشعب ” باعتباره مجموعة من الأفراد الملتفين حول هدف واحد، يعيشون على إقليم متعدد و منفرد، تجمعهم خصائص مشتركة يحتوي على مشروع مثل العمارة والبطن والفخذ و العضلة، و القبيلة والنزلة والعشيرة .
تظهر بين الشعر النظامي والشعبي عناصر كثيرة ترتبط ب”الأصل و الفصل و المتاهات اللسانية و اللغوية “و هي مكونات واحدة قد تفترق من حيث الشكل وتتوحد من حيث الموضوع نطرح ذلك بالصيغة التالية :
أولا: مفهوم العامة :
ويعتبر مصطلح “العمومية “من بين العناصر المهمة في دراسة الظاهرة الشعرية ، ذلك أنه يعد مصطلحا في جوهره سياسياواجتماعيا خصوصا و أن له علاقة بما يمارسه الأفراد و هو نفسه التعريف المطبق على التراث، فلا يمكن أن نتحدث عن التراث الشعبي دون المرور بمصطلح العمومية فالتراث هو روح العمومية و لا يمكن فصله عنها أوعن المورثين ألاجتماعي والثقافي .
ثانيا : مفهوم الفلكلور :
إن كلمة فلكلور هي مزيج بين وحدتين (فولك )بمعنى الناس وهي ترجمة للكلمة الانجليزية folks 2 ترمز إلى المعرفة و الحكمة ، و بذا يكون الفلكلور حكمة الشعب ، كما تعني العلم الذي يدرس التراث الروحي للشعب و خاصة التراث الشفاهي و عرفه ” سبينوزا“ على أنه ذلك الفرع من المعرفة الإنسانية الذي يجمع ويصنف و يدرس بطريقة علمية تفسيرحياة الشعوب و ثقافاتها عبرالعصور ،وبالنظر إلى التعاريف المقدمة لا يمكن أن نتصور الفلكلور في شكل مادة مجموعة بل هو علم يدرس المادة الشفاهية و بذا يكون الأدب الشعبي إحدى الرواتب الحسنة لدراسة الفلكلور الشعبي و يوافق أصحاب اتجاه الأدب الشعبي بان الفلكلور هو الإبداع الشعري لجماهير الشعب العريضةو قد ترجم الفلكلور إلى اللغة العربية فصار يعني التراث الشعبي للتعبير على كل إبداع شعبي بما فيه الشعر الشعبي.
المطلب الثاني: مفهوم و تطور الشعر الشعبي
بعدما تعرفنا على مختلف العناصر التي تدخل في تكوين ظاهرة الشعر الشعبي سوف نوضح مفهوم الشعر الشعبي وتطوره لكي نزيل نقاط الاختلاف .
1-مفهوم الشعر الشعبي :
يعتبر الشعر الشعبي مجموعة من كلمات مرتبطة ببيئة الشاعر العامة يستخدم فيها الأساطير والمغازي والواقع المعاش بلهجة محلية يطرح فيها قضايا في إطار إقليمي عشائري او ديني و ليس معناه عندما نذكر استشهاد الشعراء بالكرامات، بأننا نصبغ صفة الشعر الديني على الشعبي بل يعتبر الشعر الديني غرضا من اغراض الشعر الشعبي يستهدف نشر الفضيلة و مكارم الأخلاق .
ظهرت العروبية (ARABICITE) كنتيجة عن الاختلاط بالوسط الحضري ويذكر “رجيس بلا سير” أن الوليد بن يزيد أثناء حكمه كان ينتقل بين القصور ولم يمل إلى حياة الصحراء ، إلا تقدير وإجلالا للعروبية التي كانت بمثابة الأصل ولما غير بنو امية نظام الحكم غيروا اتجاه العروبية حيث سكنوا القصور، و أتبعوا لهو المدن وغيروا أسماء القبائل كالقحطانيين والعدنانيين عرفوا لاحقا باليمنيين و أيضا بالقيسيين خاصة المشكلين العرب النازلين من وراء النهر فمثل ذلك الاختلاط وحد نطقهم من أجل التفاهم.
ارتبط استعمال السحرمنذ القدم بتلك الطقوس و العادات البالية التي سجلت على ألواح البردى وعلى الصخور الحجرية و نقلتها الذاكرة من جيل إلى جيل نتيجة لنفاذ الشعر إلى عقول الناس ، فعندما كان الإنسان يقف أمام المنطق والظواهر عاجزا عن تفسيرها ، يلجأ إلى التأويل والتخمين و كأنه يحي الظاهرة في حد ذاتها .
ظل الشعر مرتبط بالشياطين وعالم الجن زهاء قرون عديدة و لم يكن ذلك اعتقاد العربي بل أعتقد الإغريق هم الآخرون قبلهم بأن هناك آلهة تتحكم في الشعراء و قد وصفهم أفلاطون ” يلهمون إلى قول ما تدفعهم ربات الشعر إلى قوله ” غير أن الحقيقة عكس ذلك عندما تبين أن الشعر هو إبداع نفسي كما عبر ذلك ميخائيل نعيمة الشعر رافق الإنسان من أول نشأته و تدرج معه في مهد حياته حتى ساعته الحاضرة من الهمجية إلى البربرية إلى الحضارة إلى مدينة اليوم رافقها و يرافقها في الترحل في البطالة و البؤس و الرخاء والحرب ”
عندما ننظر إلى وجهة نظر ميخائيل نعيمة بخصوص مرافقة الشعر للحضارة، فإننا نرى أن الشعر ظل بوقا ولسانا و صحفيا ممتازا، نقل أثار الأقوام البائدة و حضاراتهم المتفردة بأمانة ،بل حتى الذاكرة الشعبية كان لها رصيدا معتبرا في رسالة الشاعر .
ج– الشخصية الشاعرية:
إن صورة الشعر الشعبي تكون أكثر ميلا لوصف الحقيقة لأنها تحدث التقارب من الواقع بلغة مفهومة ومبسطة للتمعن، إذ لا يظهر في كامل تفاصيلها إلا إيجابيات الإتقان في إيصال المعنى ترتكز في بعض الأحيان على الموهبة التي هي ليست نتيجة من نتائج التعليم أو الثقافة الشعرية و طاقة مخفية في الذات لأنه يوجد الكثير من يحملون معارف شعرية ولكنهم يجهلون قول الشعر،ويذكر أبي مدين الشافعي تعريف أن الشعراء لهم نفوس لا تشبه بقية النفوس ، فإنهم يجدون في الشعر قوة خفية تجعلهم يعبرون عما يجيش في خواطرهم و يعبرون عنه بكيفية “عجيبة ومؤثرة ” وهو نفس التعريف الذي قدمه المرحوم محمد مصايف حين قال أن الشعر فن و أنه لذلك أثر من أثار العبقرية الإنسانية. فهو على خطاه الجميلة يعتبر حكمة على حد قول الرسول صلعم.
2-تطور الشعر الشعبي.
إن الحديث عن تطورالشعرالشعبي، يجرنا للحديث على تناول وصف للمحيط العام للجزائرمن علاقات اجتماعية واقتصادية وسياسية، أثرت فيه على جميع المستويات .
لايمكن فصل التطور التاريخي للشعر الشعبي عن عقلية الشاعر الشعبي الذي كان سفيرا وصحفيا بمعنى الكلمة نقل فساد المجتمع وانتشار الآفات كما جاء به الشاعر بن عبد السلام الفعال :
ياقطايفي في البردانة يامكاحلي وكوابســـي
ومع مطلع القرن الرابع عشر ،عرفت الجزائر تطورا كثيرا في الجانب الثقافي من حيث إنشاء المدارس القرآنية و دور تعليم الدين و الشريعة و الأوراد الدينية ، فكانت مظاهر الحياة السياسية و الإجتماعية قد فرضت نفسها بقوة على مراكز السيطرة في البلاد المغربية قاطبة ،حيث كانت المساجد مبعثرة على الغلية ( المسجد العتيق ) و( الجامع الكبير ) . الأزهر و الزيتونة و القرويين فقد كانت كل القرى تحتوي على مساجد محصنة و دور تعليم القرآن و الكتاتيب .
في الجزائر كان الجامع الكبير يدين بالمذهب المالكي و الجامع السفير بالمذهب الحنيفي و هذا الإنشار المذهبي عظم التنافس الديني بين العلماء في الجزائر ، فلا نجد عاملا غير مولع بقراءة القرآن أو كتابة الشعر بسبب الإنتماء أو النعرة الدينية المنقادة لمناضرة بين الشيوخ في الجوامع كجامع سيدي رمضان بالقصبة و جامع اليانا بطرابلس أو بالزوايا و لما نقلت العاصمة إلى وهران قامت ثورة الطريقة الدرفاوية حين ذاك أوزع الشعراء مواهبهم لصقل أبيات في الشعر الملحمي و لا شك أن ذلك الشعر كان واصفا حقيقيا لحماس الجزائريين بغرية الديار نفسه نفس مثقف الشعر الديني الذي قدم القصيدة الشعبية وفي إعتقادنا أنه وضع أسس الأوراد و التغني بالبردى .فكان الشيخ المتفرس في علوم الدين له باع في الأدب و الصرف و نأخذ المعية من أبي مهدي على الثقافي ( 1669م) الذي درس الأدب و كأن بأني فيه بالعجائب و الغرائب ، و لم يقل دركه شأنا من شأن الشيخ أبو زكريا يحي الشاوي الدي كان يجيب سألية بكواكب ذرية من الشعر المقفى (2)
المراجع:
أبو عبد الرحمان بن محمد الجيلالي – تاريخ الجزائر العام SNED الجزء 95 ص 174 .
في هذه الفترات التي ذكرناها على لسان المؤرخ عبد الرحمان الجيلالي لم نسمع عن دبيب القصيدة من اللون الشعبي إلا لاحقا ،لكن في الأغلب أن عناصر بحور القصيدة الشعبية جاءت مكملة لمساهرات الشعر الديني التي كان العلماء يتنافسون فيها ثم إنتقل إلى الطرقية من الخانفات و الزوايا ،فلم كان يتوفى شيخ أو المرابط يلقى ذلك النعي في نفوس المحبيين منسوجات سعرية كثيرا ما كانت تدلف من ودق الشعر ذكر الشيخ الورتلاني في قصة سبعه رجال التي شكلت محور لأغنية جزائرية في القرن الثامن عشر 1.و قد لاحظنا أن الكثير من العلماء و الشيوخ برعوا في قول الشعر الحقيقي و المنظوم الموسيقى منذ العهد التركي إلى نهاية القرن السادس عشر. و إذا تأملنا أسباب ولادة الشعر الشعبي فإننا لا نخرج عن أسباب الضعف و القهر الذي تعرضت له الجزائر عبر القرون من طرف المستغلين سواء من البرتغالين أو الإسبانيين أو الأتراك و الفرنسيين أن هذا القهر كان سببا في لم شمل الفارينن من الأندلس الجريحة حيث الثقى الجزائريين بالمسلمين الفاريين من الأندلس ،لهذا جاء شعر الشوق و الغربة معبرا كما اشرنا في البداية من أروع ما قيل في اللون الزجلي، الذي عبر به الفارين عن أشواقهم ،و هذا يقودنا إلى تبرير معلومة تاريخية ذكرها عبد الحميد حاجيات في تقديمه لقصائد إلى مدارس تنصيب أن الأزجال إحتلا مغربيا لكن ذلك لم تبقى بأثرهم المسيطرة الأندلسي و هو ما ساعد لاحقا المغاربة في عصر المرابطين و الموحدين على النفي بالأزجال في أنماطها الأندلسية ، وهو ما عبر الأعراب في تقبلهم العامية أذواقهم من وجهة نظرهم و هذا يعني أنهم لم يقلدوا كما ذهب بعض النقاد بل إلى تناول الذوق بناءا على الموسيقى الشعرية الزجلية و قد تطور لاحقا في العهد التركي من أجل تنظيمه لغويا و هذا كان سبقا مقبولا من الناحية العلمية ، خصوصا إذا ما أدركنا قرآته علماء و شيوخ الطرف في ميادين النمو بعد شبوع العجرومية ، و مفاتن البردي و لؤلؤ ة سييبويه . أما أغراض الشعر الشعبي ( القصيدة الزجلية في الطور الأول ) قد تناولت الموروث الشعبي المتنقل عبر الأجيال بواسطة الزاوية و التلحين خصوصا و أن العرب كانوا حديث عهد بألام الشوق و الحب و الهجر .
و يذكر لنا الأسباب عبد الحميد حاجيات فكرة في غاية الأهمية مفادها إشادة حرية التعرف في المادة الشعرية لعدم وجود نصوص مكتوبة و هذا ربما ساعد على تموين الكثير من القصائد ألشعبية والتي عثر على أصحابها و شابها أخطاء لغوية و أمام هذا الزخم و لشيوع الأخطاء اللغوية أخرج المتزمتون أحكاما ثقيلة على أن القصيدة الشعبية هي سهم موغل في اللغة العربية و كان من بداية الأمر تهجما على موروث ثقافي في طابعه الشكلي قبل أن يتطور اللسانيات و ندرس الأنظمة الموسيقية الآخاذة في الشعر الشعبي و هي ظاهرة عرفت منذ القدم …( قد أشرنا في كتابنا المفصل ) ()1 حول الصحافة و التصحيف ما وصل إلينا من شعر شعبي قديما مصحفا أو منسوبا لغير أصحابه ، فأننا لا نملك آلية التصنيفية إلا بعد إستعمال تأسيس مرصد وطني للجمع الشعر الشعبي فقط دون إجماعها بالفنون الأخرى و قد يساعد هذا المرصد على فك طلاسم كثيرة ظلت لصيقة بالقصيدة الشعبية و نزيل عنها الجهالة كما يدعى المتركزين لغويا على مناغم النحو و الأعراب و الشكل و الأدغام .
يربط الكثير من الباحثين مصطلح الشعر الشعبي بالملحون ، للهروب من قواعد اللغة كما فضل ذلك الدكتور التلي بن الشيخ ويذهب محمد المرزوقي إلى ابعد من ذلك بالفصل الواضح بينها لقوله ، أما الشعر الملحون فهو أعم من الشعر الشعبي إذ اشتمل كل منظوم بالعامية سواء كان مجهول المؤلف أو معروف وسواء روي في الكتب أو مشافهة سواء داخل في حياة الشعب فأصبح ملكا للشعب أو كان من شعر الخواص .
ونحن نذهب مع الدكتورين التلي بن الشيخ ومحمد المرزوقي بأنه ليس هناك فصل بين الشعر الشعبي والملحون وهو عكس الغناء كما استبعده محمد العاسي، حيث قال أن التسمية مشتقة من اللحن بالمغنى لأن الفرق بينه وبين الفصيح يظهر في أن الملحون ينظم قبل كل شيء لكي يبقى كما ذهب نفر آخر من الباحثين ومن بينهم الجراري بأن المغاربة أطلقوا تسمية كلمة الملحون على الشعر المغربي واقتصر أثر الأعراب فلم يجد بين الشعر الأندلسي والمغربي ، وكان الدكتور التلي بن الشيخ محقا عندما قال أن الشعر الشعبي في المغرب العربي لا يزال في حاجة إلى دراسة شاملة .
كما لاحظنا سجل اختلاف كبير في التأريخ لبداية الشعر الشعبي في الجزائر فمن الباحثين من يربط بروز الشعر الشعبي بالجزل التلمساني و الحوزي ، ومنهم من يقرنه ببداية الملحون المغربي رغم ماهو موجود من مصادر تاريخية تذكر ان بداية الأدب المغربي”الشعبي” في طبعه الفاسي و المكناسي هي التى كانت قد ارتبكت بالملحون يعود الحديث عن الملحون إلى ما ذكره إبن سعيد المصري المتوفي سنة 1249 م حول الزجل الأندلسي و أتخذ هذا التاريخ عند الكثير من الباحثين توقيتا رسميا لظهور ظاهرة الملحون كما ذكر ذلك ابن خلدون في المقدمة في فصل الزجل .
أما ما ذكره احمد طاهر في دراسته فإن بداية الشعر الشعبي بالجزائر تعود إلى الشاعر سيدي لخضر بن خلوف وليد سيدي لخضر بناحية مستغانم سنة 1555م عندما وصف معركة إسبانيا الجزائر في مزعران سنة 1558م 1
و على الرغم مما اشار له لخضر بن خلوف في وصف معركة ”مزغران“ فهو وصف جمع بين حيثياته أشكال من الملحون و الزجل بينما ذهب بن سعيد المغربي بالتأكيد على إن الملحون و الزجل مفهومين مختلفين ،و قدم محمد المرزوقي تأكيدا ثانيا على بداية الشعر الشعبي إلى العهد الحفصي سنة 676 هـ في صورته الزجلية التي ذكرها الدكتور“ التلي بن الشيخ ” عندما اعتقد أن فن الزجل كان له تأثير على الشاعر الشعبي و هذا إقرار وجيه يبعد الزجل عن مفهوم الملحون .