غياب ثقافة العلاج النفسي – أسباب وحلول
✍اللواء محمد فريح الحارثي :
لا أعلم ما هي نسبة مؤشر الوعي الحقيقي في قاموس ثقافة المجتمع بأهمية الحاجة للطب النفسي، ولكني أستنبط ذلك إعلاميًا واجتماعيًا بأن هناك قصورًا معرفيًا ثقافيًا لا يزال مؤثرًا في الثقافة الفكرية للمجتمع لأسباب مختلفة منها على سبيل المثال:
1- غياب الوعي الفكري والحسي بمعرفة الفرق بين ثقافة (الوعي الحقيقي) للحاجة وبين (الوعي المزيف) الذي يتشكل على مفهوم التشخيص الذاتي الخاطئ بعدم الحاجة للعلاج، ويعتبر (الوعي المزيف) بصفة عامة ثقافة غائبة في أفكار الكثير من المجتمع في نواحي مختلفة، ولا سيما في قاموس التنمية البشرية والتطوير الذاتي، وتحتاج إلى جهود ثقافية توعوية من جهات الاختصاص لإبراز أهمية العلم والمعرفة في التفريق بين (الوعي الحقيقي) و(الوعي المزيف) في الثقافة الفكرية للمجتمع.
2- سيطرة ثقافة العيب الشعبي تحت مظلة (الوعي المزيف) بأن العلاج النفسي صفة اجتماعية معيبة بالجنون والأمراض العقلية.
3- الخوف والأوهام من تبعات التشخيص واعتقاد الإدمان على استخدام الأدوية والجهل بثقافة العلاج المعرفي السلوكي.
4- غياب الثقة والخجل والحياء والتردد من الاعتراف، والبوح بمعاناة الضغوط الحياتية التي يراه الكثيرون من الأسرار الشخصية المعيب إظهارها للطبيب النفسي.
5- كراهية وعدم تقبل مسمى المرض أو المريض النفسي أمام القبول والاعتراف بالأمراض العضوية مثل: مريض السكري مريض الضغط إلخ -من الأمراض التي يصرح بها أصحابها بكل أريحية لوعيهم الحقيقي بالحاجة للعلاج من مخاطر تلك الأمراض.
ولذلك ومن وجهة نظر الكاتب؛ فإن غياب الوعي بأهمية الحاجة لثقافة العلاج النفسي يشكل مخاطر كبيرة وجسيمة تهدد أمن وسلامة جودة الحياة عمومًا فالأمراض أو الاضطرابات النفسية كثيرة ومتنوعة، وتؤثر سلبًا على حياة الفرد والأسرة والمجتمع وعلى التقدم والتمدن الحضاري، وتؤدي إلى حدوث الكثير من الأضرار الفادحة، ومنها على سبيل المثال:
1. تنامي وتيرة التوتر والإثارة التي تؤدي إلى حدوث النزاعات والصراعات والعناد والتحدي في محيط الأسرة والمجتمع، وانعكاس ذلك على جودة الحياة، وجودة استقرار العلاقات الأسرية والعلاقات الاجتماعية التي هي من أسباب تماسك نسيج المجتمع في منظومة القيم التي تحافظ على الوحدة الوطنية.
2. تنامي أسباب الجريمة من حالات الانتحار والقتل وغيرها من السلوكيات الجنائية التي تؤثر على سلامة أمن المجتمع بما في ذلك حالات الطلاق وسلوك القيادة المرورية وعلاقتها ببعض الحوادث، والتي تؤدي بها جميعًا إلى إشغال وإنهاك الأجهزة الأمنية والقضائية وتلقي بظلالها على الخسائر المادية والاقتصادية في الأرواح والممتلكات.
3. تدني مستوى التحصيل العلمي والثقافي وتدني مستوى الإنتاجية للموظفين وفقدان أسباب التفوق والإبداع، ويعتبر هذا الأمر هدرًا وخسارة وطنية سواء في مجال التحصيل الدراسي أو الأداء الوظيفي أو التميز والتقدم الحضاري ولا سيما في مجالات الابتكار والاختراع.
4. تفاقم حدة الاضطراب النفسي وتحوله إلى مرض عقلي يُشكل تهديدًا على سلامة المريض وسلامة المحيطين به.
5. تزايد حالات الأمراض العضوية مثل: أمراض القلب والضغط والسكري وغيرها من الأمراض التي ترتبط بالاضطرابات النفسية، وهذا يلقي بظلاله أيضًا على مضاعفة مصروفات المخصصات الصحية.
العلاج والحلول:
1. يرى الكاتب أن التهاون في تثقيف وتوعية المجتمع بأهمية حاجة كل فرد من المجتمع لمراجعة الطب النفسي له مخاطر على أمن الفرد والأسرة والمجتمع.
2. حتى ولو لم تكن هناك أعراض ظاهرة فلا يعتمد الفرد على تشخيص نفسه في ظل ما يتعرض له من مواقف وأزمات وضغوط طبيعية مثل: الإصابة بمرض عضوي مفاجئ أو موت قريب أو تعثر دراسي أو وظيفي أو ضائقة ونازلة مادية أو معنوية، والقائمة تطول من الأسباب التي تستوجب أهمية الوعي بحاجة الطب النفسي للعلاج والوقاية كما هو الوعي بحاجة الطب العضوي الذي نؤمن به في أبسط الأمور مثل الصداع وغيره التي نسعى للعلاج منها.
3. إعداد برامج ودورات مرئية توعوية للعلاج المعرفي السلوكي تكون متاحة للجميع تسهم في المساعدة بكيفية التعامل مع بعض الاضطرابات النفسية التي تدعم العلاج النفسي.
4. توجيه الباحثين ومراكز الدراسات والبحوث العلمية والأكاديمية بإجراء دراسة تعتمد على منهجية البحث العلمي تتضمن الآتي:
أ. إحصائية عن وعي المجتمع بأهمية العلاج النفسي في حياة الفرد والأسرة والمجتمع.
ب. أسباب غياب الوعي الحقيقي بأهمية الطب النفسي كحاجة طبيعية مثل الوعي بحاجة الطب العضوي، وإيجاد الحلول المناسبة وفق الأسس العلمية لمنهجية الدراسات والبحوث.
ت. مدى تأثير إهمال العلاج النفسي على جودة الحياة بصفة عامة ومدى ارتباط ذلك بمؤشر حالات الجريمة وسلوك القيادة ونسبة الحوادث المرورية ومؤشر الخسائر الاقتصادية.
ختامًا.. يتطلع الكاتب إلى مشاركة النشر لهذا المقال بنية احتساب الأجر للتعاون على البر والتقوى وما ينفع الناس في التوعية والتثقيف، وكذلك تعزيز مشاركة تبادل آراء أصحاب الاختصاص من مجتمع الطب النفسي والمجتمع الأمني وكافة مؤسسات المجتمع المدني؛ لمناقشة هذه القضية من جميع الجوانب، وإيجاد الأفكار والحلول المناسبة لها (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) (يوسف: 76) ودامت سلامة الجميع.