في فعله والخلائق
✍عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون :
كتاب (غرر الخصائص الواضحة وعرر النقائض الفاضحة) أحد كتب الأدب المشهورة، وصاحبه هو محمد بن إبراهيم بن يحيى بن علي الأنصاري الكتبي، جمال الدين المعروف بالوطواط، فيلسوف وأديب مترسل من العلماء، من أهل مصر، كانت صناعته الوراقة وبيع الكتب، وصنف كتبا ورسائل في الفلسفة والكيمياء، توفي في القاهرة عام 718 هجري.
بدأ في مقدمة الكتاب في بيان الفرق بين الطبع والتطبع، فقال إن الطبع جاذب منفعل، والتطبع مجذوب مفتعل، تتفق نتائجهما مع التكلف ويفترق تأثيرهما مع الاسترسال، وذكر أن المتكلمين قرروا في الأخلاق أن طبع المطبوع أملك للنفس، قال الشاعر في ذلك:
إذا كان الطباع طباع سوء
فليس بنافع أدب الأديب
وقال كثير عزة:
ومن يبتدع ما ليس من سوس نفسه
يدعه ويغلبه على النفس خيمها
فمن تذمر من موضعه وحالته فهو الملام وإن وضع المعاذير وعدد الأسباب، قال عمرو بن العاص: المرء حيث يجعل نفسه إن رفعها ارتفعت وإن وضعها اتضعت.
وقال الشاعر:
وما الحرّ إلا حيث يجعل نفسه
ففي صالح الأعمال نفسك فاجعل
والنفس عروف غروف، ونفور ألوف، متى ردعتها ارتدعت، ومتى حملتها حملت، وإن أهملتها فسدت، وقال الشاعر:
صبرت على اللذات حتى تولت
وألزمت نفسي هجرها فاستمرّت
وجرّعتها المكروه حتى تجرّدت
ولو حملته جملة لاشمأزت
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى
فإن أُطمعت تاقت وإلا تسلت
وكانت على الآمال نفسي عزيزة
فلما رأت عزمي على الترك ولت
فنفسك هي لك، وزمامها بيدك لا بيد عمرو.
وقال أبو الطيب المتنبي:
لا بقومي شرفت بل شرفوا بي
وبجدّي فخرت لا بجدودي
وما أكثر ما تسمع من يتغنى بذكر الأولين ومفاخرهم، ويقضي عمره بترديد الأشعار وسرد الأخبار، والعقارب تسير وهو ثابت.
إذا ما الحيّ عاش بذكر ميت
فذاك الميت حيّ وهو ميت
وقال أبو تمام حبيب بن أوس الطائي:
وإني رأيت الوسم في خُلق الفتى
هو الوسم لا ما كان في الشعر والجلد
وقال أبو الطيب مقتفياً أثره ومصدقاً خبره:
وما الحسن في وجه الفتى شرفاً له
إذا لم يكن في فعله والخلائق
وهذا البيت من عيون شعر أبي الطيب.
وقد قيل: قبيح بذي العقل أن يكون بهيمة وقد أمكنه أن يكون إنساناً، أو إنساناً وقد أمكنه أن يكون ملكاً،
قال المتنبي:
ولم أر في عيوب الناس شيئا
كنقص القادرين على التمام
وفي الفكرة والتطلع إلى السمو، وتحريك الهمة للوصول إلى القمة قال علي بن مقلة:
وإذا رأيت فتى بأعلى قمة
في شامخ من عزة المترفع
قالت لي النفس العروف بفضلها
ما كان أولاني بهذا الموضع
والمنهج القويم الموصل إلى الثناء الجميل أن يستعمل الإنسان فكره، وتمييزه فيما ينتج عن الأخلاق المحمودة والمذمومة منه ومن غيره، وكفى بالمرء تهذيباً وتأديباً لنفسه ترك ما كرهه الناس من غيره، والأخذ بما استحسنوه.
إذا أعجبتك خلال امرئ
فكنه تكن مثل من يعجبك
وليس على المجد والمكرمات
إذا جئتها حاجب يحجبك
وقالوا: من نظر في عيوب الناس فأنكرها ثم رضيها لنفسه فذلك هو الأحمق بعينه.
والتمثل بطيب الأخلاق يتطلب رياضة واحتمال، ومن يطلب الحسناء لم يُغله المهر، فهي نفسك فضعها حيث تريد أنت.