أيها المارون بين الكلمات العابرة.. اخرجوا من أرضنا وروسيا تؤكد على الدولة الفلسطينية المستقلة
✍الكاتب والمحلل السياسي/ رامي الشاعر :
أعربت موسكو عن قلقها البالغ إزاء التدهور الحاد للأوضاع في منطقة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأكدت على موقفها المبدئي والثابت بأن الحل الوحيد للقضية الفلسطينية يقتصر على الوسائل السياسية والدبلوماسية، بإقامة عملية تفاوض كاملة على أساس القوانين الدولية المعروفة ذات الصلة، والتي تنص على إقامة دولة فلسطينية مستقلة ضمن حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، تعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل.
وتابع التقرير: “إننا نعتبر التصعيد الحالي بمثابة مظهر آخر خطير من حلقة مفرغة من العنف، وهو نتيجة مباشرة للفشل المزمن في الامتثال للقرارات ذات الصلة الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع لها والعرقلة الفعلية التي يمارسها الغرب تجاه عمل الرباعية الدولية للوسطاء بشأن التسوية الفلسطينية والمكونة من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة”.
ودعت الخارجية الروسية في بيانها إلى وقف فوري لإطلاق النار، ونبذ العنف، وممارسة ضبط النفس اللازم، وإقامة عملية تفاوض بمساعدة المجمع الدولي، تهدف إلى إقامة سلام شامل ودائم في الشرق الأوسط طال انتظاره.
أن ما نراه أمامنا من تفاقم في الأوضاع وتدهور مريع وسريع في الوضع على الأرض هو أمر لا يحيد عن جادة المنطق والطبيعة وقوانين الفيزياء. فلكل فعل رد فعل مساو له في القوة ومضاد له في الاتجاه. ولا يمكن أن يظل ما يسمى بـ “المجتمع الدولي” و”العالم الحر” على ذلك القدر من “العمى” السياسي، والتجاهل لقضية من أعقد وأصعب القضايا في السياسة المعاصرة، مفضلا عليها قضيته الأساسية في “تدمير روسيا استراتيجيا”. ولا يمكن لتلك الدول التي تشبعنا حديثا عن حقوق الإنسان ومشكلات المناخ والاحترار والطاقة الخضراء ليل نهار، أن تظل إلى مالا نهاية عاجزة أمام الكيان الصهيوني، الذي يقوم بانتهاكات وممارسات لا إنسانية وتدنيس للأماكن المقدسة على مسمع ومرأى من العالم أجمع، في الوقت الذي تستقبل فيه زيلينسكي وتكرّم مقاتلي فرقة “فافن غرينادير” في حضوره، وتدعم نظام النازية الجديدة في كييف.
إن كل هذا يدفع الشعب الفلسطيني دفعاً إلى الإيمان القاطع بأن الاستشهاد في سبيل قضية تحرير أرضه والتمتع بدولته المستقلة والدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية أمام العالمين الإسلامي والمسيحي هو واجب مقدس، يتعين عليه أداءه والاستمرار في النضال واستحالة التوقف دون تحقيق الأهداف التي تتناسب مع قرارات الأمم المتحدة التي تنص على حق الشعب الفلسطيني العيش في دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
المطلوب اليوم بالدرجة الأولى عربياً هو موقف حاسم وعادل وواضح موجه للولايات المتحدة الأمريكية بالدرجة الأولى بالكف عن الاستهزاء بمصير البلاد والعباد وإهانة الأمة العربية قاطبة بما تقوم به من عرقلة لعمل الرباعية الدولية. يجب أن تكف الولايات المتحدة عن الدعم الأعمى لإسرائيل، ويتعين على كافة الإمكانات الإعلامية العربية وبمختلف لغاتها توضيح الحقيقة والواقع المؤلم والمستحيل الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، وأن تعتبر الأحداث التي اندلعت يوم أمس هي حرب التحرير الكبرى ضد الاحتلال الصهيوني، ونضال حقيقي مشروع وعادل من أجل التحرر من الاحتلال في ظل كافة القوانين الدولية والمعايير الإنسانية.
لا بد علينا نحن العرب اتخاذ هذه الإجراءات اليوم قبل غد.
وفي اتصال هاتفي، بحث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظيره المصري سامح شكري التصعيد الأخير في الساحة الفلسطينية، ومعركة “طوفان الأقصى” التي أعلنتها حركة حماس، والتي ترد عليها إسرائيل الآن بعملية “السيوف الحديدية”، وقد أعرب الوزيران عن قلقهما العميق إزاء التفاقم الحاد للوضع في المنطقة، والذي أدى إلى سقوط العديد من الضحايا، بما في ذلك بين السكان المدنيين.
واتفق الوزيران على ضرورة الوقف الفوري للأعمال العدائية والشروع في عملية تفاوض فلسطينية إسرائيلية وفقاً لقرارات الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، فيما أشار لافروف إلى المبادرات الروسية الأخيرة لتكثيف الجهود الموحدة للأطراف المعنية بغية الوصول إلى تسوية سياسية فلسطينية إسرائيلية عادلة وشاملة وموثوقة تعتمد مبدأ حل الدولتين في أسرع وقت ممكن.
وتتواصل الجهود الدولية والاتصالات المكثفة بين عواصم العالم الآن من أجل الدفع بجهود دولية لتهدئة الأوضاع، حيث أن هناك تعويلاً كبيراً على مصر وعلى المملكة العربية السعودية، وأعتقد أن موقف الدولتين سيتعزز كثيراً إذا ما رافقه موقف عربي موحد وحازم تجاه الولايات المتحدة، بوصفها الجهة الوحيدة المعنية الآن بإنهاء معاناة شعبنا الفلسطيني لأنه لا توجد إسرائيل بهذا الشكل دون الولايات المتحدة، ولا يمكن لإسرائيل أن تتصرف على النحو الوحشي والعدائي الذي تتصرف به أكثر الحكومات تطرفاً في تاريخ إسرائيل الآن، والذي أسفر عن النتيجة التي نعيشها، دون دعم أمريكي سافر نستمع إليه في خطاب الإدارة الأمريكية على لسان بايدن، في الوقت الذي تدعي فيه واشنطن “النزاهة” في إدارة الأزمة.
ولقد صرح نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف بأن روسيا قد دعت طرفي الأزمة الفلسطيني والإسرائيلي إلى وقف فوري لإطلاق النار، فيما أشار بوغدانوف إلى أن التصعيد الحالي بين الطرفين يمثل “انتكاسة خطيرة للغاية”، ويجب على الفلسطينيين والإسرائيليين العودة إلى طاولة المفاوضات، مؤكداً أن روسيا تجري اتصالات مع مصر ودول عربية أخرى لوقف التصعيد بين إسرائيل وفلسطين.
وتابع: “نحن نؤيد حل جميع القضايا سلمياً على أساس احترام المصالح المتبادلة”، وأكد على إجرائه اتصالات مع مصر ودول عربية أخرى لوقف التصعيد الأخير بين فلسطين وإسرائيل.
يتعين علينا أن نطالب اليوم بعقد قمة عربية طارئة فورية، نعلن فيها السبب الحقيقي وراء ما حدث ويحدث في السنوات الأخيرة، وهو أن تعطيل واشنطن لعمل اللجنة الرباعية الدولية لتسوية القضية الفلسطينية هو السبب وراء ما يجري الآن من دمار وقتل وعنف متبادل، ويجب أن نحمّل الولايات المتحدة الأمريكية مسؤوليتها عن تدهور الأوضاع، وهو ما سيحمل تداعيات ليس فقط على منطقة الشرق الأوسط، ولكن على أماكن كثيرة حول العالم. يجب علينا نحن العرب أن نتخذ موقفاً واضحاً ومحدداً من واشنطن، وعدم إعطاء أي مجال للإدارة الأمريكية للمناورة والتملص من مسؤوليتها الكاملة عن الأوضاع المزرية واللاإنسانية التي يعاني منها الفلسطينيون تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلي.
إن العنف المفرط الذي مارسته سلطة الاحتلال ممثلة في أكثر حكومة يمينية متطرفة في تاريخ إسرائيل بزعامة بنيامين نتنياهو لن يكون نتيجته سوى عنف مضاد كالذي رأيناه ونراه يندلع يوم أمس، ونؤكد بدورنا أن هذا العنف المفرط لم ولا ولن ينفع مع الشعب الفلسطيني تاريخياً، وليسأل السيد نتنياهو آباءه وأجداده إذا لم يكن قد قرأ التاريخ أو لم يستوعب دروسه بعد. والحل الوحيد هو استعادة الحقوق الفلسطينية كاملة غير منقوصة، ولن يقبل أي فلسطيني بما هو أقل من ذلك.
وكما قال صديقي العزيز الشاعر الراحل الكبير محمود درويش:
“أيها المارون بين الكلمات العابرة
منكم السيف.. ومنا دمنا
منكم الفولاذ والنار.. ومنا لحمنا
منكم دبابة أخرى.. ومنا حجر
منكم قنبلة الغاز.. ومنا المطر
وعلينا ما عليكم من سماء وهواء
فخذوا حصتكم من دمنا وانصرفوا
وادخلوا حفل عشاء راقص.. وانصرفوا
وعلينا، نحن، أن نحرس ورد الشهداء
وعلينا، نحن، أن نحيا كما نحن نشاء”.