أيها المعلمون أنتم صفوة المجتمع

✍ صالح الريمي – جدة :

بمناسبة يوم المعلم أرسل لي أحد أصدقائي عن تعامل المجتمع الياباني تجاه المعلم، فيقول أثناء تواجدي في اليابان، سألت زميلي الياباني ذات مرة: متى تحتفل بلدكم بعيد المعلم؟ وكيف تحتفلون به؟ أجاب مندهشًا من سؤالي؟!
ليس لدينا أي عيد للمعلم!!
عند سماعي لجوابه بقيت في حيرة هل أصدق ما يقول أم لا؟ وداهمتني فكرة: لماذا هذه العلاقة السلبية تجاه المعلم ومنجزاته في بلد متطور اقتصادياً وعلمياً وتكنولوجيًا؟

يومًا بعد نهاية الدوام قدم لي زميلي الياباني دعوة ضيافة إلى بيته، وبحكم أنه كان يعيش بعيدًا عن موقع العمل، فقد ذهبنا إليه بالمترو، وفي ساعات ذروة الزحمة المسائية فقد كانت عربات مترو الأنفاق ممتلئة حتى التخمة، وهنا بالكاد تمكنا من الدخول إلى العربة..
فوقفت بجانب الباب ممسكًا بالقائم المخصص، وفجأة رأيت أن الرجل العجوز الذي كان جالسًا على المقعد الذي أمامي قد أخلى مكانه ويدعوني للجلوس، ولكني لم أفهم معنى هذا الاحترام نحوي من قبل رجل عجوز وأنا أصغره بكثير من السنوات؛ فحاولت الرفض ولكنه أصر على موقفه؛ فأضطريت للجلوس.

بعد الخروج من المترو طلبت من زميلي الياباني أن يوضح لي معنى موقف هذا الرجل العجوز، أبتسم صديقي مؤشرًا إلى الميدالية التي أحملها على صدري، قائلًا: هذا الرجل العجوز رأى ميدالية المعلم المعلقة على صدرك، وتعبيرًا عن احترامه لك كمعلم تنازل لك مكانه..
وبما أنني ذاهب للمرة الأولى في ضيافة صديقي الياباني في بيته فقد فكرت بأنه من المخجل أن أدخل بيته خالي اليدين؛ فقررت شراء هدية، وقد اشركت صديقي في مناقشة ما أفكر به، فوجدته مؤيدًا للفكرة وقال بأن أمامنا محل تجاري خاص بالمعلمين حيث يمكن أن نشتري ما نريد بتخفيض يتميز به المعلمون.

ولكني هنا من جديد لم أتمالك نفسي، قلت جميل ما يتمتع بها المعلمون عندكم؟! هز رأسه تأكيدًا لكلامي قال: مهنة المعلم في اليابان هي أكثر المهن احترامًا، وأكثر من يحترم في اليابان هو المعلم الياباني، ويفخر أي تاجر ياباني كثيرًا أن رأى معلمًا يدخل محله، ويعتبر هذا تشريفًا له ولمحله..
وخلال فترة تواجدي في اليابان لاحظت لمرات عديدة كيف يحترم اليابانيون المعلم بلا حدود، فتوجد مقاعد خاصة للمعلمين في المترو وكل وسائل المواصلات، المعلمون لا يقفون بالدور لشراء تذاكر المسرح أو السينما؛ ولهم محلات تجارية خاصة، وعندها تسألت، وما حاجة المعلم الياباني ليوم في السنة للاحتفاء به ما دام كل يوم عنده عيد؟

وأنا أحدثكم عن هذه الحكاية أتمنى من أعماق قلبي بأن تنضج مجتمعاتنا إلى نصف هذا المستوى أو أقل إلى جزء من مثل هذه العلاقة نحو المعلم والتي لم أراها في أي دولة عربية غير المغرب..
لاحظت هذه العلاقة في حادثتين: الأولى عندما أوقفني رجل المرور وأنا أقود السيارة وقال لي: أنت عامل مخالفة سيدي موضحًا لي مخالفة السير تلك، وكانت مخالفة حقيقية وواضحة، طلب وثائقي فقدمت له جوازي اليمني ورخصة قيادتي الروسية.

فسألني: ماذا تعمل هنا في المغرب؟
أجبته: لدينا علاقة تعاون مع جامعة عبدالمالك السعدي وتواجدي هنا للعمل خلال الصيف، سألني: أأنت أستاذ؟
قلت له: نعم وهذا مكتوب في جواز سفري،
قال لي: عندما أرضعتني أمي قالت لي لا تخالف أي معلم مهما حصل إلا إذا ارتكب جريمة وليس مخالفة، ولذا عندي مبدأ بعدم مخالفة أو تغريم أي معلم. تفضل وثائقك سيدي وأتمنى أن تعتني بنفسك..
الثانية: في مطار محمد الخامس عندما أراد رجال الجمارك تفتيش حقيبتي فنظر إلى جواز سفري وقال لي: أنت أستاذ، قلت نعم، قال: رحلة سعيدة.

*ترويقة:*
قال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ).

*ومضة:*
لك سيدي ولك سيدتي، يا من يحمل وتحمل لقب (معلم / معلمة) لكما فائق احترامي وتقديري، وأرسل لكما كلمة شكر ومحبة وعرفان، وكل علمني حرفًا أو كلمة أو جملة أو معلومة، أيها المعلمون أنتم صفوة المجتمع.

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى