زيارة الموعظة

✍🏻 عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون :

قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن القبر أول منزل من منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه) حديث حسن.
وكان من تربية الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه حثهم على الصلاة على الجنازة وتشييعها حتى تدفن لما في ذلك من الأجر والموعظة البليغة التي تهذب النفوس وترقى بها، قال عليه الصلاة والسلام: (من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن كان له قيراطان، قيل: وما القيراطان …؟ قال: مثل الجبلين العظيمين) رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم: (زوروا القبور فإنها تذكر الموت) رواه مسلم
ومع هذا التوجيه النبوي الكريم إلا أن حب العاجلة يطغى حتى يعمى الإنسان فيتخدر بالسعي فيها والعمل لها فيسهو عما وراء ذلك، ولعل كراهية الموت تدفع إلى محاولة نسيانه والتجاهل لوصية الرسول صلى الله عليه وسلم (أكثروا ذكر هاذم اللذات) رواه مسلم.
ومما يحثنا عليه المصلحون ويجددون التذكير به هو زيارة القبور لما لها من ترقيق للقلوب ومعرفة نهاية الأعمار، ومنتهى هذا الكد والكدح، وما كانت هذه التوجيهات إلا لقلة ما نتذكر من الموت والبلى، وأصبح ما كان يفعله الأولون عجبا ينظر إليه كخيال يستغرب حدوثه لعدم شعورنا بقليل مما كان يختلج في صدورهم من رهبة هذا الأمر، وأصبحت زيارة القبور عند الكثير منا، بما فيهم أهل الموعظة والتوجيه، من التقاليد التي لا تحدث إلا عند القيام بالواجب الاجتماعي في وفاة قريب أو أحد المعارف، وقد تتوالى الأشهر دون الذهاب إلى المقبرة، وإن حدث فإن الأمر يمر مرورا عابرا سوى من كلمات معروفة تردد، ولعل معها حسرة صادقة سرعان ما تتبدد.
كان إبراهيم النخعي يقول: (كنا إذا حضرنا جنازة أو سمعنا بميت عرف فينا أياما لأنّا قد عرفنا أنه نزل به أمر صيره إلى الجنة أو النار، وأنكم في جنائزكم تحدثون بأحاديث دنياكم).
مع كل جنازة كانت لهم عبرة وعظة تلازمهم للأخرى وكأنهم هم الراحلون إلى هناك، يستشعرون حالهم بين من سيقدمون عليهم، ولا يكون حالهم كالذين وصفهم الشاعر بقوله:
نراع إذا الجنائز قابلتنا
ونسكن حين تخفى ذاهبات
كروعة ثلة لظهور ذئب
فلما غاب عادت راتعات
وقال الشاعر:
الناس في غفلة والموت يوقظهم
وما يفيقون حتى ينفذ العمر
يشيـّعون أهاليهم بجمعهم
وينظرون إلى ما فيه قد قُـبروا
ويرجعون إلى أحلام غفلتهم
كأنهم ما رأوا شيئا ولا نظروا
وقد يبكي أقرباء الميت لفقد القريب لأنهم لن يروه مرة أخرى، والأولى البكاء رحمة له ولما سيلقاه في قبره، وعلى المصير الذي سيؤول إليه حال الباكي فيكون له فيه موعظة.

Related Articles

Back to top button