خُلق الإيثار
✍ صالح الريمي :
يقول ابن قدامة في خُلق الإيثار:
اجتمع جماعة من الفقراء في موضع لهم، وبين أيديهم أرغفة معدودة، لا تكفيهم فكسروا الرّغفان، وأطفأوا السّراج، وجلسوا للأكل، فلما رفع الطعام، إذا هو بحاله لم يأكل أحد منهم شيئًا إيثارًا لأصحابه، إذًا تقديم الآخرين على نفسك، هو قمة المروءة وجميل النبل وكرم في الأخلاق والإنسانية والرحمة التي أمرنا بها ديننا الحنيف..
تعريف خُلق الإيثار؛ هو تفضيل غيرك على نفسك، وتقديم مصلحة الآخر على مصلحتك الذاتية، ولهذا من يتصف بالإيثَار فإنه يحمل في نفسه صفات ومزايا ومناقب مختلفة جذريًا عمن يتصف بالأنانية والنرجسية وحب الذات ولأنا والجحود والنكران.
وصاحب خُلق الإيثار يحرص على خدمة الأصحاب والأصدقاء، ويعفو عن الأخطاء، ويسعى في إصلاح ذات البين، ويساهم في أي معروف كان، ويبذل من ماله دون حساب، كونه يعلم علم اليقين بأن أعمال البر والإحسان أيًا كان حجمها ومقدارها لن تضيع عند الله، وهي مذخرة له يوم القيامة..
ومن صفات صاحب خُلق الإيثار أنه يسعى بمساعد الآخرين ويبحث عن المحتاجين، محاولًا تخفيف الوطأة على أهل الفاقة والمعوزين، وانتشالهم من الفقر والضيق والبؤس، وتسديد ديونهم.
وجاءت الآية الكريمة تؤكد خُلق الإيثار في قوله تعالى: «ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة»..
ولهذا الإيثار مبدأ وممارسة أخلاقية، وعمل راقِ يسعد الناس ويجلب لهم السرور والحبور، ويجعل العلاقات بين الناس أنيقة وجميلة، ويعزِّز روح التعاون والتكافل الاجتماعي، وانتشار المحبة بين الناس، ويعم الخير، بالإيثار وتتآلف القلوب، وتقوى أواصر الأخوة، وتعظم المحبة، وتسود الألفة بين أفراد المجتمع، وتخفت نار التنازع، وتزول الشحناء، ويختفي الكره والبغض.
*يقول أحد المفسرين:*
ليس الإيثار أن تعطي أشد منك حاجة إليه، وإنّما الإيثار أن تعطي ما أنت أشد إليه حاجة من غيرك، لهذا كان خُلق الإيثار قيمة سامية، وصفة حميدة، وما تحلَّى به رجل إلا أصبح محل المدح والثناء عند جميع العقلاء، وأن الإيثار يحقق الاكتفاء المادي والاقتصادي لأكبر عدد من الأشخاص في المجتمع”..
وأعجبتني أكثر مقولة: “لو أن الدنيا كلها لي فجعلتها في فم أخ من إخواني لاستقللتها له”.
*ترويقة:*
جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ببردةٍ، فقال سهل للقوم: أتدرون ما البُردة؟ فقال القوم: هي الشَّملة، فقال سهل: هي شملة منسوجة، فيها حاشيتها، فقالت: يا رسول الله، أكسوك هذه، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها، فلبِسها، فرآها عليه رجل من الصحابة، فقال: يا رسول الله، ما أحسَنَ هذه! فاكسُنِيها، فقال: (نعم)، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم لامَهُ أصحابه، قالوا: ما أحسنت حين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذها محتاجًا إليها ثم سألته إياها وقد عرفت أنه لا يُسأَل شيئًا فيمنعه، فقال: رجوتُ بركتها حين لبِسها النبي صلى الله عليه وسلم، لعلِّي أُكفَّن فيها.
*ومضة:*
يقول جابر بن عبدالله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (طعام الواحد يكفي الإثنين، وطعام الإثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية).
*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*