يا جبار أجبر كسري

✍ صالح الريمي :

تحدث إنكسارات كثيرة في حياتنا، فنتألم وتنكسر شوكة الأمل في داخلنا، فنُشل ونتوقف عن الحركة، وكلها عقد تحاصر الطموح، وكُره تتمرد معه ظروفنا، ومواقف تجعلنا ننكّس رؤسنا! ورُهاب يخنق العفوية والبساطة والحياة الجميلة..
أحدنا يحصل له حادث تتكسر فيه عظامه، وآخر يسمع إهانة تتحطّم منها نفسه، وثالث يعيش حالة فقر تنحني معه روحه للبحث عن مستلزمات الحياة الضرورية، والرابع يمرض مرضاً تنهار عندها قواه، والخامسة طلقت بعد رحلة معناة من زواج فاشل، والسادسة أرملة لا تجد قوت يومها مع أطفالها.

قرأت في إحدى كتب علم النفس التحليلي، بأن علماء النفس يقولون أنّ الكبت يولد العقدة، والعقدة تترك آثارًا عميقة في النفس، مما يجعل تلك الآثار تظهر في تصرفات صاحبها وفي انفعالاته.. وايضاً يقولون أن من عانى قسوة الأب فإنه يتحول إلى نسخة شبه مطابقة، وكأنه ينتقم من أبيه في أبنائه! وأنها ستكون آثار خالدة في النفس ومن المستحيل أو شبه المستحيل أن تفارق صاحبها..
لكن واقع الحياة يقول عكس ما قال علماء النفس، فكم من مسكين تكسّرت نفسه من نظرة متغطرس، ولولا الجبّار لانشرخت نفسه للأبد، وكم من ضعيف صفعته الحياة بيد أحد الأقوياء، ولولا الجبّار لظلّ منحني الرأس طول حياته، وكم من فقير أذلّته كلمة قالها أحد الأثرياء، ولولا الجبّار لبقيت تلك الكلمة وصمة يعيّر بها طيلة عمره.

وبقدر هذه الإنكسارات تتفتّح أبواب السماء بضمادات الرحمة ومجبّرات الودّ!! فالله الجبار يجبر الكسير ويساعد الضعيف ويرفع من شأن الصغير ويقدم المتأخر وتضمد رحماته جراح النفوس، لأنه الجبار سبحانه الذي يجبر أجساد وقلوب عباده ويمدهم بمراهم الصحة وضمادات السعادة ومسكنات الأوجاع ومضادات الهموم.
ولأنّه سبحانه علم أن كسوراً ستعتري عباده في أبدانهم وقلوبهم وحياتهم وكسوراً تترك ندوبها على جباههم، وآثارها على أرواحهم.. لذلك تولّى جبرها برحمته وسمى نفسه بالجبار ليُعْلمَ عباده أنّه هو القادر على جبرها فيلتجئون إليه.

أعرف شخصاً عانى من قسوة والده ومع ذلك خرج غاية في الرحمة، وآخر عانى من سخرية أقرانه ومع ذلك صار متميّز ناجح في حياته، ومريض عانى من المرض كثيراً ومع ذلك كبر وصار صحيحاً وقوياً..
قد تتزاحم الآلام في قلب الإنسان حتى ما يظن أنّ لها كاشفة، فإذا بالجبار يجبر ذلك الإنسان، ومن الجميل بعد فترة بسيطة ينسى كل آلامه وأوجاعه، لأن الله لم يذهبها فحسب، بل جبر المكان الذي حطّمته، وعاد كأن لم يتهشم بالأمس، ومن كمالِ إحسانِ الجبار سبحانه أن يُذيقَ عبده مرارةَ الكسرِ قبل حلاوةِ الجبرِ.

*ترويقة:*
السؤال هنا أين تلك العقد؟ وأين آثار تلك الأمراض؟ التي يقولها بعض علماء النفس، لقد جُبرت من الجبار، لقد أخفتها ضمادات رحمة الجبار وقدر الجبار أن تختفي إلى الأبد، فإذا التهبت نفسك، إذا احترقت أحلامك، إذا تصدع بنيان روحك فقل: يا الله يا جبار أجبر كسّري.

*ومضة:*
شُرع لنا أن نقول: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاجْبُرْنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي)، وكأننا نتكسّر في اليوم كثيراً فنحتاح أن يجبرنا الله كثيراً.

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى