وطني نور سماوي

✍ د – خالد غانم : 

تاريخ مصر عميق الجذور ، يحمل في طياته عدة جوانب : دينية، وحضارية، وعرقية، وطبائعية، وشخصية، هي دولة وشعب أذهل الكثيرين ؛ وتتسم مصر بالحضارة الضاربة في القدم، والمتجذرة في صنوف الحضارات – تداولا وتحاورًا – والتي لا تزال مثار عجب وبحث، ولعل العقول ـ في كل عصر ـ في بحث دائم، وهم في تساعي مستمر لمحاولة اكتشاف سر الحضارة التي قامت بها أيدي وعقول مصرية على مدار تاريخها.

وبدون مبالغة، قامت الحضارة المصرية المتنوعة والمتعددة على أكتاف القدرة المصرية، التي استطاعت أن تنْحَت من الصخور حضارة لا تضاهيها حضارة ، وأقامت ـ بعقلها وقوتها ـ أهرامات ضخمة لا تنفك إحدى أعاجيب الدنيا، ولا تزال باقية مذ دهور عديدة وقائمة، والمرء يستبق النظر إليها ويقف مندهشا ومتعجبا.

واسم مصر “نسبة إلى مصر بن بيصر بن حام بن نوح ـ عليه السلام ـ وكان مصر هذا أحد مؤمني آل نوح ممن ركب معه الفلك، ونجا من الطوفان.

فاسم مصر محفور في جبين التاريخ حبا ومكانة، وسيبقى اسمها خالدا بخلود القرآن.

فقد ذكر الله ـ سبحانه ـ مصر في القرآن الكريم في أكثر من ثلاثين موضعا، جاءت بإطلاق كلمة الأرض على مصر ، وكذا جاء اسم مصر باللفظ الصريح في خمس آيات، باعتبار موضع سورة البقرة الذي ورد منصوبا إعرابيًا.

وحسبنا ـ كمصريين ـ فخراً أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ تربطه صلة نسب بينه وبين مصر عن طريق مارية القبطية ـ المصرية.

وقبل ذلكم التاريخ تزوج النبي إبراهيم ـ عليه السلام ـ من الكريمة هاجر المصرية، والتي أنجب منها إسماعيل ـ عليه السلام ـ الذي هو ابو العرب، وجد النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا فالمصريون أخوال للعرب في شبه الجزيرة العربية.

كما أن الكتاب المقدس ( التوراة والإنجيل ) ذكر مصر، وكلمة المصريين مرات عديدة في أكثر من سفر وإصحاح.

هذه هى مصر، تحظي بمكانة كبيرة، وهذه المكانة متوجة بذكر اسمها في أحسن الحديث ـ أي القرآن ـ بالإضافة إلى وصية الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأهلها خيرا، ولم تنته أنوار الوحي بذلك، بل طابت أرضها بحياة بعض الأنبياء فيها.

حيث كانت مصر ـ ولا تزال ـ ملاذا آمنا، وموطنا عظيما لمن قصدها، فقد ولد بأرضها وهاجر إليها بعض الأنبياء مثل: النبي إدريس عليه السلام، والنبي إبراهيم عليه السلام ،

ويعقوب بن إسحاق عليهما السلام، ويوسف بن يعقوب عليهما السلام، وموسى وهارون عليها السلام، ، والمسيح عيسى بن مريم عليه السلام، وفي رواية – محل نظر بين العلماء – للإمام الطبراني والإمام البيهقي في كتابه “دلائل النبوة” أن الرسول محمدًا زار مصر ليلة الإسراء.

وفيها الشجرة المباركة التي كلم الله تعالى نبيه موسى عندها، وفيها طور سيناء جبل الملاقاة والمناجاة، وفيها قرية الشيخ عبادة بالمنيا تضم منزل السيدة مارية زوجة الرسول وبئر الصحابة وبقيع مصر، وهي قبل العلم وملجأ العلماء وملاذ العارفين، تلاقت فيها أنوار النبوة بهدايات الوحي المنزل ، والمسطور في الكتب والصحف السماوية ؛ فمصر نور سماوي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى