جبر الخواطر مالك وما عليك

✍د. عثمان عبدالعزيز آل عثمان (سفير جبر الخواطر) :

ما رأيت عبادة أجل وأعظم من أن تجبر خواطر بتفريج الكرب، وإغاثة الملهوف، ومراعاة مشاعر الناس، فكل ذلك من جبر الخواطر، وسمو النفس، وعظمة القلب، وسلامة الصدر، ورجاحة العقل، يجبر المسلم فيه نفوسًا كسرت، وقلوبًا فطرت، وأجسادًا أرهقت، فتخيرواا كلماتكم، وتلطفوا بأفعالكم؛ سنرحل جميعا ولا يبقى منا إلا الأثر الطيب الجميل ؛فالإنسان المؤمن صاحب رسالة إنسانية راقية ، منبعها صدق المشاعر؛ لكسب الأجر والثواب من رب العالمين ،وكسب قلوبهم ومحبتهم؛ لتحقيق نتائج متميزة تخدمهم ؛ وقد حرص الإسلام على جبر الخواطر ، وكان الرسول- عليه الصلاة والسلام- أكثر الناس حرصًا على جبر خواطر الصحابة -رضي الله عنهم – فكان يرشدهم للصواب، ويردهم إلى الحق، ويواسيهم فى حال الحزن ،وعبادة جبر الخواطر في القرآن الكريم والسنة النبوية تهدي إلى المنهج والطريق السليم للتسلية والبعد عن الأمور التافهة، وذكر ذلك في عدة مواضع من القرآن الكريم، وعدة مواقف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نذكر بعضاً منها على سبيل المثال كمايأتي:جبر خواطر منكسرة، مثل المطلقة قال سبحانه: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)،فجبر خاطرها بالمتعة وهي العِوض المادي. و كذلك جبر خواطر الأيتام الذين يحضرون قسمة الميراث بشيءٍ من المال، بقوله تعالى: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا).وكذلك أوحى الله تعالى ليوسف -عليه السلام- جبرًا لخاطره وتثبيته، لأنَّه مظلوم من إخوته في قوله -عز وجل-: (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ)، وجبر خاطره بأن جعله عزيز مصر بعد سجنه في قوله -جل وعلا-: (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا). مثالاً للكلمة الطيبة التي لها الأثر الكبير، قال -جل وعلا-: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ). عندما خافت أم موسى -عليه السلام- على ابنها أوحى إليها الله -تعالى- بقوله: (وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ). مواساة النبي -عليه الصلاة والسلام- للأنصار عند تقسيم الغنائم بقوله: (لو سلك النَّاسُ وَادِيًا، أَوْ شِعْبًا، وَسَلَكَتِ الأنْصَارُ وَادِيًا، أَوْ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأنْصَارِ، أَوْ شِعْبَ الأنْصَارِ). قال -صلى الله عليه وسلم- في سد حاجات الفقراء والمحتاجين، وجبر خاطر المريض بالزيارة: (أَطْعِمُوا الجائِعَ، وعُودُوا المَرِيضَ، وفُكُّوا العانِيَ).عندما أتى إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقراء المهاجرين مكسوري الخاطر، فطيَّب خاطرهم، وأزال الهمَّ عن قلوبهم بقوله: (أَوَليسَ قدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ ما تَصَّدَّقُونَ؟ إنَّ بكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بالمَعروفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عن مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وفي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ) الأدب في طريقة الرد لذي القربى بلطف، والاعتذار إليهم ومواساتهم بما فيه تطييب الخاطر وحسن القول، ولا يعرض عنهم إعراض المستهين، قال -سبحانه-: (إِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا).
ونلاحظ بأن
للإنسان العاقل الذي يجبر خواطر غيره يكون الله تعالى معه وفي معيته دائمًا، في الدنيا والآخرة، وأن الله رب العالمين يكون في عون ومساعد دائمًا للشخص الذي يساعد، ويعين غيره «وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ».

جبر الخاطر عبادة ما يكون طاعة لله تعالى، والفوز بمحبته، حيث إن الله تعالى اشترط أن الشخص لا يكون مؤمنًا إلا إذا كان يحب الخير للجميع، كما يحبه له هو، وهذا يدل على عظمة جبر خواطر الأشخاص «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
جابر الخواطر يعمل على تأليف قلوب الأشخاص، ويجعلهم يحبون بعضهم البعض، وأن يكونوا محبين للخير والعدل والرحمة،وسبيل ليكون المجتمع راقيًا بإخلاص وجد، بعيدًا عن منغصات الحياة.
ولا شك أن المجتمع المسلم في كل مكان وزمان بحاجة ماسة وملحة إلى هذه العبادة الجميلة، و لذلك جعل الله تعالى الكلمة الطيبة صدقة، فمجرد كلمة بسيطة تجعل لك مكان جميل عند غيرك، وتجعل لك صدقة عند الله تعالى تشفع لك يوم القيامة، فقال الرسول- صلى الله عليه وسلم-« كل سُلامَى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس: تعدل بين إثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته، فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة»، فكل هذه الأعمال صدقات تشفع لك عند الله تعالى يوم القيامةوأجر عظيم في الدنياكلها.ويعتبر جبر الخواطر باباً من أبواب المواساة للناس، في مشاركتهم أفراحهم وأحزانهم بإدخال السرور لقلوبهم، وإزاحة ما أهمهم من أمور الدنيا، وتيسير كل أمر صعب لديهم وسدحاجاتهم، فهناك من يحتاج للمال، ومنهم من يحتاج لعمل ووظيفة، ومن تكون حاجته لدفع ظلم عنه، وهناك من يحتاج للكلمات الطيبات، والعبارات النابعة من القلب الصافي ، ومن يكون في حاجة أخيه المسلم، يكن الله -عز وجل- في حاجته، ويقف إلى جانبه فى أوقات وساعات الفرح والسعادة والحزن، ويكسب محبته له من أجل تقوية العلاقات بين الناس، وبث روح الأخوة الإسلامية بينهم، والدعوة إلى الألفة والمحبة ؛لكسب الأجر والثواب من الله -تعالى- ومحبته، مما يجعل صاحبها من السعداء يوم القيامة ومن اجل إزاحة الحقد والحسد من قلوب البعض لعدم قدرتهم لقضاء حوائجهم، أو ما أصابهم من هموم؛ لكسب قلوب الناس ومحبتهم، من خلال ملاطفتهم في القول والعمل بحسن نيه وصادق المواساة وطيب خاطر بلا مشكلات. رئيس مجلس إدارة الجمعية الخيرية لصعوبات التعلم، رئيس مجلس إدارة جمعية الدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بنعجان، كاتب صحفي مخترع OZO123@hotmail. Com

Related Articles

Back to top button