دراسة أسلوبية لـ مناظرة “وين الوين” للشعراء جمال جلالي عويشة بومدين محمد نعيمي

لعل أجمل ما يميز النص الأدبي شعرا أو نثرا اللغة والأسلوب .وتختلف من مؤلف ل آخر لكل شاعر بصمته الأدبية .طريقة كتابته وأسلوب يميزه .يتعرف عليه القارئ الحقيقي أو ما يعرف ب أهل الإختصاص من نقد وبلاغة تركيبا وانسجاما ودلالة . عبر قراءات متأنية فنجده يميز بين هذا وذاك لاختلاف الأسلوب واللغة وطريقة النظم والمعجم الدلالي . مما يستلهمه للغوص في ثنايا العمل الأدبي بغية تحليله . جذابة هي لغتنا العربية بمفرداتها ب صيحات معانيها بنوبات فنونها نثرية كانت او شعرية لتصنع من نفسها لغة ابنة لها .ميزت مختلف طبقات المجتمع غير رسمية يعرفها العام والخاص في كل منطقة معينة . هي اللغة الشعبية لغة العامة لتصنع منها أدبا على منوالها هو الأدب الشعبي مهتمة بكل ما يخص الحياة الشعبية بنواحيها وفنوها المختلفة لنحط الرحال عند أحد فنونها هو الشعر الشعبي . لنقف عند مناظرة شفوية ميزت ملتقى مغاربي بولاية الطارف ليصنع الحدث على غير العادة شعراء الشعر الشعبي كل من على الترتيب “جمال جلالي .عويشة بومدين .محمد نعيمي ” في لوحة أدبية شعرية شفوية ارتجالية عبر مواقع التواصل الاجتماعي في بث مباشر على شريط فيديو مسموع مسجل تم بثه في مقاطع شعرية متتالية حظي بها كل شاعر وقبل التعمق في تحليل النصوص الشعرية الملقاة لا يسعنا الا الوقوف عند مفاهيم وتعريفات . بادئ ذي بدئ نطرح بعض التساؤلات للاجابة عنها ما مفهوم المناظرة ؟ وماهي شروطها واهم ميزاتها ؟ هل وفق الشعراء الثلاث مبنى ومعنى في تجسيد القصيدة الشعبية في طابع المناظرة . وما الاثر الذي تركته اللمة الشعرية في ذهن المتلقي من خلال الشعراء الثلاث كل ب نصوصه؟ المناظرة :هي مواجهة بلاغية أدبية بين متحدثين اثنين أو أكثر حول قضية معينة أو موضوع يتم تداوله في وقت محدد وتتم هذه الأخيرة في جلسة عامة تقدم فيها حجج متعارضة حول قضية جدلية مطروحة يتناظر حولها فريقان متعارضان بالرأي حيث يقدم كل طرف حجج وبراهين يدعم بها رأيه بأسلوب ادبي ممنهج ينتهي بأراء الجمهور .وهي نثرية وشعرية والمناظرة التي بين ايدينا شعرية محظة عندنا ها في الفصيح لنجد هذا الفن يمس الأدب الشعبي أيصا في طابع جديد ينافس الفصيح شعرا ونقرا. في مناظرة شعرية بين شعراء الشعر الشعبي نذكرهم على ترتيب القائهم حسب الفيديو “جمال جلالي .عويشة بومدين .محمد نعيمي ” عبر شريط تسجيلي لهم بالملتقى المغاربي الاول بولاية الطارف بمساهمة الجمعية الجزائرية للادب الشعبي ومديرية الثقافة لولاية طارف والمكتبة العمومية للولاية. لتكون الصدارة للشعراء الثلاث في تمثيل فن المناظرة الشعرية الثلاثية عبر مسار الجمعية الجزائرية للادب الشعبي .بالملتقى المنعقد بالطارف من 19الى 22اوت 2023 بتحليل مقاطع الشعراء الثلاث بالتسلسل الإلقائي وبعد سماع متكرر للنصوص الشفوية المختارة اخترنا دراسة اسلوبية بمستوياتها التحليلية .

مناظرة الشعراء تحت عنوان “وين الوين “وفق كل مقطع بداية مع الشاعر جمال جلالي : لتحليل المقطع الاول حسب النص المسجل للشاعر جمال جلالي اسلوبيا باعتبار المقطع عرض شفويا تراء ئ لنا دراسته صوتية وفق المستوى الصوتي فنلحظ جرأة الشاعر عبر المنصة ونبرة صوت متناغمة القاءا تلفت انتباه المستمع وأهم ما نلمسه صوتيا تكرار لفظة” وين”التي تكررت على طول المقطع وين صيلت لرحام وين لخاوة وين النية وين لمة لحباب وين الحرمة وين بنة لعراس وينهم قعدات وين التاجر لو نعد الوين يستهل نصه ب لفظة “شوف “ل لفت الاستماع والتحاور المباشر لكل متلقي . كذلك حرف اللام بالمقطع على طول الأبيات والنون بالشطر الثاني .بنغمتها الموسيقية المتكررة الجاذبة للاستماع الايقاعي بالاذن . نبرة الصوت لدى الشاعر خالية من الارتباك و تمس مواجهة لمباشرة للمتلقي القاءا وحضورا . الفاظ متداولة نطقا شجية لحنا دالة على ملامح الحيرة والحنين . كما نلاحظ ان الشاعر استبعد الاحرف المستثقلة كالضاد والثاء والصاد في النطق فنراه استخدم احرف سهلة النطق سلسة خفيفة على اللسان مثل الواو والنون القاف المستوى اللفظي الدلالي (المعجم الأدبي الشعري ) والمعجم الشعري للتنبيه فقط هو لغة القصيدة والجدول الذي يختار فيه الشاعر الكلمات التي تؤلف لغته الشعرية ولو ان تمحور المعجم الشعري يخضع لحركة القراءة التي يجريها القارئ في نصه يعتبر شكل من اشكال انتاج الدلالة النصية . لفظة “وين “بالمصطلح الشعبي الدالة على التساؤل وكأننا نجد الشاعر يتساءل وبين الحيرة والتعجب والحنين ل سمات معنوية فقدتها المجتمعات محددا بعضها لأنها لا تعد ولا تحصى ذاكرا ذلك فقال لو نعد الوين . وأهم ما نلمسه عند المعجم الشعري لدى جمال جلالي أنه يخضع لمبدأ الافادة العامة والنصح والتذكير في قالب توعوي . واذا ما ركزنا حول القطب الدلالي للابيات الذي استمد منه معجمه اللفظي نجدها تصب في مجال الإنسانية والسلوكات الاجتماعية والمجال المعنوي الانساني ذو الجانب النفسي بين الماضي والحاضر فيما يخص المعاملات الانسانية (وين لمة لحباب وين قعدة زمان وين لصحاب )يتساءل جمال من جهة ويعيد حنين ايام مضت وصفات زالت يقارنا ب حاضر تخلو منه غيابا شبه تام.

المستوى التركيبي (السياق التركيبي ) الحوار نلمس أسلوب الحوار في مطلع الأبيات والتخاطب بين طرفين في لفظة شوف بأسلوب أمر انطلق جلالي مستهلا ابياته دلالة على لفت الاستماع والتحاور المباشر”.شوف”. أسلوب الاستفهام المتكرر على طول المقطع نجد الشاعر عبر الأبيات قد جعل الخطاب لفرد واحد لكن بمعنى عام فكأن كل قارئ لهذه الأبيات يتصور ان الخطاب موجه له شخصيا ويمسه. عويشة بومدين هي الاخرى إذا انتقلنا الى تحليل ابياتها التي ردت بها على الشاعر نجدها قد سارت على نهج جمال جلالي وزنا وقافية وفق المستوى الصوتي لمقطع ابياتها كما وعدا بعشرة ابيات وبحرفي اللام والنون على طول المقطع الشعري كما نجدها متزنة الحرف ذات جرأة حضورية بأسلوب واضح لافت السمع ذكر لفظة وين عند الشاعرة مرة على عكس التكرار عند جلالي اكثر. اما من ناحية المستوى الدلالي للابيات واللفظي ومن خلال النص نجدها فاقت الشاعر في توظيف الصور البلاغية والرمز الشعري لطرح دلالات المعنى بلغة حوارية غير مباشرة على عكس جمال جلالي الذي كانت لغته مباشرة محاورة وتخلو من الالفاظ الصعبة الفهم .فنجدهما عبرالمقطعين يشتركان في المعنى الواحد والدلالة المشتركة في حقول دلالية اجتماعية معنوية نفسية تعكس ما آل اليه المجتمع .كلاهما يقارن سمات الماضي والحاضر وسلوكيات الرمز عند عويشة في صوفة التشبيه كيف الصوفة تشبيه بليغ تلمح لصفات وتصرفات لا اخلاقية لا تمس بصلة الدين والعادات بحقل ديني شوف المفتي لاتميز طفلة من طفل (كناية عن صفة تشبه النساء بالرجال والعكس) تشوف الراذي وكأننا نلاحظ عويشة تواصل معاني لم يذكرها جلالي مكملة عنه ما قد ختم به ابياته لو نعد الوين مواصلة شرح معاني الحياة العصرية وسلوكات اجتماعية هي الاخرى مبرزة ما ساد من رذائل العصر طارحة قضية الاخلاق الاجتماعية بمفهومها العام بنماذج من الحياة نجدها مؤيدة ل جمال جلالي ما بدأ طرحه

أما محمد نعيمي يواصل ايضا السير على نفس وزن وقافية الشاعرين عويشة وجمال في المقطعين السابقين (لام الشطر الاول نون الشطر الثاني) عبر المقطع كما نلمس تكراره ل لفظة الوين شفت سيف الوين انسل (دمج اللفظ المعنوي والمزج مع المعنوي ل ايضاح المعنى سيف مادي الوين معنوي أما اللغة عند محمد نعيمي ايحائية رمزية يغزوها طابع الحكمة وسبك معنوي غير مباشر يلمح به المعاني في ايضاح الدلالة لكل لفظ . كما نرى المعاني الدلالية التي طرحها هو الاخر يصب حروفه في معنى دلالي مشابه لزميلاه تكرار ه للفظة” شي “عبر ابيات اخيرة المقطع منها شي من حلل شي من حرم شي من فاهم شي من يفتي وغيرها دالة على الحديث العام دون تحديد والتكرار للايضاح والتأكيد للمعنى في طرح امثلة اكمل بها سبيل الشاعرين بامثلة مغايرة ذات بعد دلالي واحد يمس الحياة الاجتماعية ومن ناحية اللغة ال شعرية ذات رؤيا نجدها يبرزها في بداية ونهاية النص في قوله سيف الوين انسل وكان حدة هذه الاخلاق كالسيف حين يسل من غمده في تصوير رمزي عبر استهل به نصه . ما نشبه ذبان خلية نحل صورة بيانية دالة على مقارنة لفئة معينة ذات سلوكات حميدة واخرى مذمومة دون الجمل . يتميز بتوظيفه الكناية والانزياح اللغوي على غير معنى اللفظ المعتاد لخدمة المعنى الدلالي . راس الكبة .مخيطنا تخبل الدالة على الحياة الواقعية بين الامس واليوم . لتعاد الأدوار الثلاث القاءا على نفس الترتيب الصوتي لدى الشعراء ليعود الدور مرة أخرى للشاعر جمال جلالي في مقطع آخر يردده بعد منح فرصة الالقاء والقراءة الشاعرين كأنه يواصل حوصلته لما تم ذكره حسب المقاطع الثلاث عبر المستوى الصوتي نجد الشعراء الثلاث يشتركون بالوزن والقافية .وفي الموضوع الواحد مع إختلاف وجهات النظر والامثلة الحية عند كل من جلالي عويشة ونعيمي .كأن كل واحد منهم يطرح قضية إنسانية بوجهة نظره ومفهومه مع مراعاة التمثيل . كل منهم استوحى نصه من الواقع المعاش وكل منهم عبر بلغة شعرية شعبية كل منهم انصت للاخر محترما رأيه كل منهم لامس الجانب الإنساني الاخلاقي إذا ما جمعنا النصوص الثلاث شكلا ومضمونا وزنا ووقافية نجدها نصا واحد ذو غاية واحدة .

أما من حيث اللغة فقد اختلفت من شاعر ل آخر حسب الحقل اللفظي والشعري في توظيف الرصيد اللغوي لنلاحظ البداية سهلة متداولة مباشرة ثم ازدادت ايحاءا في المقاطع الثانية لكل شاعر خلق جو من التنافس اللغوي طرحا القاءا واقناعا ولعل أجمل ما ميز المناظرة الشعرية روح الاصغاء وتبادل الالقاء خلق جو ا من التشويق لدى المستمع لانتظار ما سيلقيه كل شاعر هذا من جهة ومن جهة اخرى تبادل الفرص الذي لم يجعل المتلقي يشعر بالملل الإستراحة واستعادة روح النبرة الصوتية وانفاس القارئ للتحضير اكثر خلق جو حماسي يتفاعل معه الجمهور باعتبار النصوص ارتجالية شفوية التنافس اللغوي طرحا القاءا لقضية إنسانية اجتماعية . روح النصح والارشاد في مناظرة سلمية ذات مغزى واهداف توعوية خرج بها الشعراء الثلاث في لوحات شعرية مثلت كل شاعر ترك فجوة الاختيار والاصغاء للمتلقي

ختاما يمكننا القول ان المناظرة في الشعر الشعبي كانت ذات صدى ايقاعي على غير العادة في الملتقيات السابقة ثلاثية شملت العنصر النسوي (عويشة )والرجالي (جلالي .نعيمي) في طرح مفاهيم إنسانية سامية والنهوض بها ان غابت وذلك بالتذكير ونشر الوعي . النصوص الثلاثة رسائل هادفة في مناظرة شفوية مباشرة لاقت صدى اعلامي واكثر ما يؤكد نجاح هذه الأخيرة هو التفاعل الذي لقيته لسماعها في جو ادبي حافل بالنخبة المثقفة من اساتذة ودكاترة في الادب لاسيما الجمهور الهاوي المتذوق للحرف ايضا . لتصنع روح التغيير الغير المألوف في طابعه الشعبي تميزت عن المشاركات السابقة لتحصل بها التفاتة متميزة في لفظة مشتركة اندرج تحتها عنوان المناظرة “وين الوين”

_ شفت سيف الوين اليوم اتسل والمخفي من الوين ظهر وبان

_ ومن ويل الدنيا شاكي منها كل حتى انا من ويلها جبرتوني زعفان

_ فاض الڨلب للوطى راه احمل واش يسكت عين دمعتها ويدان

_ الحيلة والشر منسجهم مغزل واللاهف لبدا للطمعا عطشان

_ ذا عايش سيف ذاك عيش ذل وشي من يرجى من الحال يبان

_ شي من حرم وشي من حلل وشي من يفتي بالوجه لوان

_ وشي من قاري وبالعلم اجهل وشي من فاهم ذ الدنيا فان

_ وشي من شي حاشا لا نجمل وك ساس الرملة لا يعلي بنيان

_ ما نشبه ذبان لخلية نحل ومن عز النفس حاشا لا يتهان

_ منسجنا بالخيط راه اتخبل راس الكبة خفى علينا ما بان

_ يا عاقل عقل اعقلها واتوكل واقرأ ف المنزول تلقالك برهان

_ كل من سال حاشا لا يهمل وحديث النادم اه يا لوكان

_ شاو الدنيا من قبيل تتبدل ومن شاوها ما فيها لامان

_ سباب غلبتنا اغلبنا ذا الجهل ومن جهلنا تركنا كتاب الفرقان

_ لا تلوم الساعة دقايقها تكمل تاليها حفرة وشي مقطع كتان

_ ماني بحديث نهجي لا نغزل غير كلام جاني على طرف لسان

_ خايف ذ الڨول كي عيطا يتمل ويقولو ذا ماهو لا بهتان

_ في 22ذ النضم راه اكمل بعد العشرين في لول شعبان

_ نختم بالصلاة من لا ليه مثل تاج المرسلين وخليل الرحمان