على رسلك يا أبا أمية
✒️عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون :
حدث القاضي شريح عن زواجه من زينب بنت جرير إحدى نساء بني حنظلة، قال لجليسه الشعبي: فلو رأيتني يا شعبي وقد أقبل نساؤهم يهدينها حتى أدخلت علي.
فقلت: إن من السنة إذا دخلت المرأة على زوجها أن يقوم فيصلي ركعتين فيسأل الله خيرها ويعوذ به من شرها قائلاً: ( اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه ).
فصليت وسلمت، فإذا هي من خلفي تصلي بصلاتي.
فلما خلا البيت ودنوت منها ومددت يدي إلى ناحيتها قالت: على رسلك يا أبا أمية كما أنت، ثم قالت:
(الحمد لله، أحمده وأستعينه وأصلي على محمد وآله، إني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك فبيّن لي ما تحب فآتيه، وما تكره فأبتعد عنه.
وقالت: قد كان في قومك منكح، وفي قومي مثل ذلك، ولكن إذا قضى الله أمراً كان، وقد ملكت فاصنع ما أمرك الله به: إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولك).
قال شريح: فأحوجتني والله يا شعبي إلى الخطبة في هذا الموضع، فقلت: الحمد لله، أحمده استعينه وأصلي وأسلم على النبي وآله وبعد: قد قلت كلاماً إن تثبتي عليه يكن ذلك حظك، وإن تدعيه يكن حجة عليك، أحب كذا وأكره كذا، ونحن سواء فلا تفرقي، وما رأيت من حسنة فانشريها أو سيئة فاستريها.
قالت: وكيف محبتك لزيارة الأهل…؟
قلت: ما أحب أن يملني أصهاري.
قالت: فمن تحب من جيرانك أن يدخل بيتك آذن له، ومن تكرهه أكرهه…؟
قلت: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم سوء.
قال شريح: فبت يا شعبي بأنعم ليلة، ومكثت معي حولاً لا أرى إلا ما أحب، فلما كان رأس الحول جئت من مجلس القضاء فإذا بعجوز تأمر وتنهي في البيت.
قلت: من هذه…؟ قالوا: فلانة ختنك.
فسري عني ما كنت أجد، فلما جلست أقبلت العجوز وقالت: السلام عليك يا أبا أمية، قلت: وعليك السلام، من أنت…؟
قالت: أنا فلانة ختنك.
قلت: قربك الله.
قالت: كيف رأيت زوجتك…؟ قلت: خير زوجة.
قالت: يا أبا أمية؛ إن المرأة لا تكون أسوأ حالاً منها في حالتين، إذا ولدت غلاماً، أو حظيت عند زوجها، فإن رابك ريب فعليك بالسوط، فوالله ما حاز الرجال في بيوتهم شراً من المرأة المدللة.
قلت: أما والله لقد أدبت فأحسنت الأدب، وروضت فأحسنت الرياضة.
قالت: تحب أن يزورك أختانك…؟ قلت: متى شاؤوا.
قال شريح: فكانت تأتيني رأس كل حول توصيني تلك الوصية، فمكثت معي عشرين سنة، لم أعتب عليها في شيء إلا مرة واحدة كنت لها ظالماً.