أحسنوا ولطّفوا كلماتكم

✍️ صالح الريمي :-

يقال أن رجلًا دخل على أحد السلاطين فصبحه عند المساء فقال له السلطان أتهزاء بي أصباح هذا أم مساء فقال: صبحته عند المساء فقال لي: ماذا الصباح وظن ذاك مزاحًا.
فأجبته إشراق وجهك غرني
حتى توهمت المساء صباحًا..
هنالك كلمات يقولها بعض الناس من مبدأ المزح ولا يدركون أنها تفتح في القلب ألف جرح، إني لاتعجب كيف يستهين البعض بالكلمة وقد بلغ من أمرها ما بلغ،
إنها لترق مضجعًا، وتعكر مزاجًا وتبدل حالًا، وتريق دمعًا، وتوحش أنسًا، وتميت شعورًا، وتورث ضغينةً، وتفزع سكينةً، وتأتي بما قد لا تقدر حوادث الأيام وخطوب الزمان على المجيء بمثله.

والإنسان العربي جُبل على الأدب، لأن لغته لغة البيان واللغة الواسعة والرصينة، وفيها بدائل ومحسنات كثيرة، فهي لغة ثرية وواسعة وعميقة، ولها من المعاني الجميلة الشيء الكثير، وتحمل من الإبداع والأناقة والفخامة ما لاتحمله باقي اللغات..
ولأن لغتنا العربية هي لغة القرآن الكريم والقرآن جاء للعرب معجزة وإعجاز، لأنهم كانوا فحول حديث، وكان العرب يتفننون في الأدب وينشئون أبناءهم عليه، ومن فنون الأدب اختيار اللفظ المناسب، حتى قالوا: لكل “مقام مقال”، فيقال للمريض “معافى”، وللأعمى “بصير”، وللأعور “كريم العين”.

ومن أفضل ما يذكر في جميل التخلص وحسن التدبير وسرعة الخاطر وتبديل الكلام وتكيفه حسب ما يشاء المتكلم ما يروى أن هارون الرشيد قد رأى في بيته ذات مرة حزمة من الخيزران، فسأل وزيره الفضل بن الربيع: ما هذه؟
أجابه الوزير: عروق الرماح يا أمير المؤمنين، أتدرون لماذا لم يقل له إنها الخيزران؟ لأن أم هارون الرشيد كان اسمها “الخيزران” فالوزير يعرف من يخاطب فلذلك تحلى بالأدب في الإجابة.

وأحد الخلفاء سأل ابنه من باب الاختبار: ما جمع مسواك؟ فأجابه ولده بالأدب الرفيع: “ضد محاسنك يا أمير المؤمنين”، فلم يقل الولد “مساويك” لأن الأدب هذّب لسانه و حلّى طباعه..
وخرج عمر رضي الله عنه يتفقد المدينة ليلًا فرأى نارًا موقدة، فوقف وقال: يا أهل الضَّوء وكره أن يقول يا أهل النَّار، ولما سُئِل العباس رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين، أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأجاب العباس قائلًا: “هو أكبر مني وأنا ولدت قبله”، ما أجملها من إجابة في قمة الأدب لمقام رسول الله عليه الصلاة والسلام.

ترويقة:

اختيار الالفاظ قيمة ضاعت للأسف فى مجتمعاتنا وأصبح البعض يبرر ذلك لنفسه ببعض الكلام مثل أنا صريح وأنا اتكلم بطبيعتي أو أنه بذلك يبتعد عن النفاق، والحقيقة أن هناك فرقًا كبيرًا بين النفاق ومراعاة مشاعر الآخرين، وبين الصراحة والوقاحة 

ومضة:

أحسنوا ولطّفوا كلماتكم، تكسبوا عقول وقلوب من تخاطبون، إنه الذوق والأدب، ويجب أن نعى جيدًا أن بين كسر القلوب وكسبها خيط رفيع اسمه “الأسلوب”.

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى