الـــكـــرم
✍️عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون
من الفضائل التي عُرف بها مجتمعنا منذ القدم، والتي تعني في مضمونها الكثير من المعاني السامية في النفس الإنسانية، وتعكس صورة من صور الإحساس بالآخرين ونفعهم والحرص عليهم، هي فضيلة الكرم، والتي لا يملكها ويحوزها إلا من رأى الهناء والنماء في البذل في أبواب الخير والجود على أهل الحاجات وغيرهم، وهي منقبة تغطى بها جوانب النقص كما قال الشاعر:
ويُظهر عيب المرء في الناس بخله
ويستره عنهم جـميعا سخاؤه
تغط بأثـواب السخـاء فإنني
أرى كل عيب والسخاء غطاؤه
وبذل المعروف إلى الناس يلقي في قلوبهم المودة لمن أحسن إليهم، وهذه من سجايا النفس المتأصلة، وفي تراثنا الكثير من قصص الكرم والجود من العهد الجاهلي، وتتويجا بصدر الإسلام، وتعداه إلى ما بعده، واشتهر في ذلك رجال كثير تذكر قصصهم كتب السير والأدب، ويتناقل أخبارهم رواة الأشعار، ومن أولئك معن بن زائدة الذي مع حلمه وشجاعته اللتان عرف بهما، فقد كان كريما جوادا، ومن أخباره أنه كان يتصيد فعطش ولم يكن في تلك الحال ماء مع غلمانه، فبينما هو كذلك إذ مرت به جاريتان من حي هناك، في جيد كل واحدة قربة من الماء، فشرب منهما وقال لغلمانه: هل معكم شيء من نفقتنا…؟ قالوا: ليس معنا شيء، فدفع لكل منهما عشرة أسهم من سهامه، وكانت نصالها من ذهب، فقالت إحداهن للأخرى: ويحك ما هذه الشمائل إلا لمعن بن زائدة، فلتقل كل منا في ذلك شيئا، فقالت الأولى:
يُركب في السهام نصال تبر
ويرميها العدا كرما وجودا
فللمرضى علاج من جراح
وأكفان لمن سكن اللحودا
وقالت الثانية:
ومـحارب من فـرط جـود بنانـه
عمت مكارمه الأقارب والعدا
صيغت نصال سهامه من عسجد
كي لا يعوقه القتال عن الندى
وكان الحسن بن صالح إذا جاءه سائل فإن كان عنده ذهب أو فضة أو طعام أعطاه، فإن لم يكن عنده من ذلك شيء أعطاه دهناً أو غيره مما ينتفع به، فإن لم يكن عنده شيء من ذلك أعطاه كحلاً أو أخرج إبرة وخيطاً فرقع بها ثوب السائل.