هل سبقَ وأنْ كرهتُم مدينةً؟
✍ الكاتبة الإستاذة وفاء سالم الحنشي
أكرهُ مدينةً تُجيدُ سرقتك مني..
أكرهُ أحرفُها المستديرةِ
وتفاصيلَها الكبيرةِ ..
لا أُريدُ من المدينةِ شيئًا سوى تركُنا سَوِيًّا ..
أُريدُها أنْ تطلقَ سراحَ مشاعرِنا المقيّدةِ ..
….
أكرهُ مدينةً تُجيدُ بثَّ الحزنِ في قلبي
وتفرشُ جناحي الخوفِ على روحي ..
وتطلقُ صواريخَها صوبَ جسدي ..
مدينةٌ لا تُجيدُ شيئًا سوى سرقتُك مني ..
أكرهُها بعمقِ خمسةٍ وخمسين عاماً ..
…..
أكرهُ مدينةً ما أنْ أحسّتْ باقترابنا
نصبتْ خِيامَها على حدودِنا ..
وأغلقتْ النورَ في وجهِ اشتياقنا ..
وكأنّها تُخبرني أنّها وطنُك
وأنّي حدودُ الممنوعِ لديك ..
….
أكرهُ مدينةً تجعلُني غارقةً في بئرٍ من الخوفِ
مصلوبةً على جذعِ التوسلاتِ لديها..
ساجدةً على تعرجاتِ طُرقاتِها
أنْ ياربُّ “احرسْهُ بعينك التي لا تنام”..
…..
أكرهُ مدينةً تقرصُني كالبعوضِ..
تكرهُني وكأنّي يهوديٌّ يودُّ سرقتُها..
تجرحُني كزجاجةٍ صُنِعتْ لجرحِي ..
تقذفُ أحجارُها صوبي ..
…..
أكرهُ مدينةً تُفقدُني صبري
تربكُ تفاصيلَ صورتي
تُمزقُ رسوماتي وقصاصاتُ أشعاري ..
مدينةٌ همُّها سِرقتُكَ مني ونفيي بعيدًا عنك ..
….
أكرهُ مدينةً تحتويك ولا تحتويني
تسرقُك مني ولا تسرقُني لكَ ..
تُحلّقُ بك وتهبطُ بي سبعَ سماوات
تشطرُني ولا تلمُني بك ..
….
أكرهُ مدينةً تجعلُني أبكي ..
أرتجفُ..
أتوهُ..
أختنقُ..
أبتلعُ غصتي ولا أنتحبُ..
….
أكرهُ مدينةً تضمّك أكثر مني
تبلعُك وتلفظُني بعيدًا عنك ..
تقودُ صوبَ الجبالِ ترفعُك للسماءِ
وتهبطُ بي هبوطًا سحيقًا ولا تنثني ..
أكرهها#جلالتك