الطفل بين التنشئة الاجتماعية والبيئة المدرسية

الخصائص والمتغيرات

محمد. غاني. الان
قدمت أمس مديرة مخير اللهجات و معالجة الكلام بجامعة أحمد بن بلة وهران 1 و رئيس أكاديمية الوهراني للدراسات العلمية و التفاعل الثقافي الدكتورة البروفيسور سعاد بسناسي محاضرة بمناسبة اليوم العالمي للطفل الأفريقي حضرها عدد من الاساتذة الجامعيين و الطلبة و الادباء و المثقفين و جمهور نوعي عريض تجاوب بقوة مع المعلومات القيمة المقدمة من طرف المحاضرة التي شرحت باسهاب العلاقة الاجتماعية بين الطفل و بيئته المدرسية انطلاقا من صعوبة التنشئة الاجتماعية التي تقوم بها المجتمعات الإنسانية جميعها على جملة من المهام تتلخص في الواجبات والحقوق، كما تعد عملية التنشئة الاجتماعية من أصعب العمليات المجتمعية كونها مرتبطة ببناء المجتمع وأي خلل أو إشكال ينجم عنه جملة من المشاكل. وسيكون له تأثيره على الأفراد وتطور المجتمعات والأسرة هي نواة وقناة إعداد الأفراد مرورا بالمدرسة ومنه فإن الضرورة ملحة من أجل وجود مشروع محدد بدقة متفق عليه مجتمعيا لأن الثقافة الأسرية بكل سماتها تختلف عن السمات الثقافية التي تروج لها مضامين المؤسسات الأخرى ومن بينها المدرسة لأن البيئة المدرسية مرتبطة بمضامين وأهداف وجهات لا تملك سيادة عليها، ومنه باتت واجباتها مكثفة ومعقدة غالباً.
وإذا كانت الأسرة وحدة بنائية لزوجين يرتبطان بطريقة منظمة اجتماعيا؛ فإنها على مستوى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هي الوحدة الطبيعية الأساسية للمجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة، وهي بذلك تقوم على مرتكزات: الأصل والمنشأ، والمودة والرحمة، والعدل والمساواة، والتكافل الاجتماعي وأشكال الأسرة تختلف بين القديم والوقت الحالي، وذلك ما تشير إليه الدراسات الانثروبولوجية باعتبار متغيرات الواقع المعيش للمجتمع، فمنها: الأسرة النواة أو النووية، والأسرة الممتدة، والأسرة الزواجية، والأسرة الأحادية والأسرة المبنية على المساكنة، أما من حيث السلطة فقد عرفت الأسرة على مر العصور خمسة أنواع وهي:
١/الأسرة الأبوية ، تكون السلطة للأب،
٢/السلطة الأموية وتكون السلطة فيها للأم،
٣/السلطة البنيوية، وتكون فيها السلطة في يد الابن الأكبر غالبا في حالة وفاة الأب مثلاً أو غيابه لفترة،
٤/الأسرة المتساوية السلطة مع ترجيح سلطة الأم
٥/الأسرة المتساوية السلطة مع ترجيح سلطة الأب، وهو نموذج الأسرة المسلمة ومايعرف بالقوامة،
ووظائف الأسرة بين القديم والحديث تتراوح بين الوظيفة البيولوجية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية التعليمية والدينية والتشريعية القضائية والنفسية ووظيفة المحافظة على ثقافة المجتمع ووظيفة الرقابة ووظيفة المشروعية وغيرها.
ومايهمنا هنا الاطفال وتنشئتهم بين البيئة الاجتماعية والمدرسية باعتبار المدرسة المكان الذي يتسم بالمقومات الاجتماعية والتعليمية والتربوية وتسعى لتحقيق أهداف لبناء المجتمع من خلال أفراده
ومن هنا ذهب بعض العلماء إلى اعتبار المدرسة بناء اجتماعي تسعى لتحقيق أهدافها من خلال التفاعل والوظائف والأدوار الاجتماعية للأفراد.
ومنه بات البحث في عملية التنشئة وآليات التقارب بين الأسرة والمدرسة من الضروريات والأولويات، لأن دوائر معرفة الأطفال تتسع مرحلة بعد أخرى بين أفراد أسرته وصولا إلى أقاربه وزملائه في المدرسة وهذا المسار الطويل يكسبه سمات ثقافية يكتسبها من واقعه تدريجيا وهذا عن طريق التعلم والتعليم والمحاكاة ومنه يصبح هذا الطفل مقبولا لدى أفراد هذا المجتمع أو ذاك.
والتنشئة الاجتماعية من أهم العناصر التربوية، بل هي في المفهوم التربوي صلب التربية وعمادها ومن الناحية الأكاديمية سوسيولوجيا هي عملية من عمليات التفاعل الاجتماعي التي يكتسب فيها الفرد شخصيته الاجتماعية التي تعكس ثقافة مجتمعه. ولا يتأتى ذلك إلا بإكسابهم تلك الثقافة والتي تحكم سلوكياتهم بإكسابهم آليات سلوكيات الغير.
والتنشئة الاجتماعية هي كذلك تلك العملية التي تمكن الفرد من استبطان القيم والمعايير والقوانين كما حدد ذلك المفكر الفرنسي أندري أكون André Akoun.
وهي بذلك مجموع العمليات التي تمكن الفرد من آليات التفكير والعمل والتنشئة الاجتماعية تهدف إلى ضبط سلوك الطفل واكتسابه المعايير الاجتماعية والأدوار الاجتماعية كذلك، ومن وظائفها: التعليم الذي يشمل التدريب والتأهيل، والتربية وتنمية القدرات والمواهب والاستعدادات وفق خطط معينة، والتدريب على التوقع، أي كيفية التعامل مع الآخرين لتوقع ردود أفعالهم، كما تعمل على تشكيل الأساس القاعدي للعقيدة الدينية، فضلا عن أنها تؤدي وظائف وقائية،
ومن أشكال التنشئة الاجتماعية مايسمى بالتنشئة المقصودة وغير المقصودة والأولية والثانوية والمسبقة والتطويرية أو التوسيعية وإعادة التنشئة الاجتماعية والتنشئة العكسية، ومن العوامل المؤثرة فيها نذكر: الطبقة الاجتماعية والثقافة بكل سماتها والوضع الاقتصادي والمستوى التعليمي والوضع السياسي والبيئة الطبيعية.
وربط واقع التنشئة الاجتماعية بواقع التنشئة المدرسية يقوم على مكونات مادية بشرية وغير بشرية وهياكل ومنظومة ومكونات غير مادية وتشمل السياسات التربوية والقيم والعادات والتقاليد التي يحملها أطراف العملية التربوية وبصفة عامة ثقافة المؤسسة إضافة إلى المضامين التربوية وهذه المكونات جميعها من تفاعل فيما بينها لتسمى بالعلبة السوداء اين تجري عملية هندسة السلوك والفكر وغرس السمات الثقافية.
ونستخلص مما سبق أنه يجب أن يتحقق الانسجام والتناغم بين التنشئة الاجتماعية والتنشئة المدرسية لتعم الفائدة على المجتمع؛ وذلك من خلال وضع مشروع مجتمع واضح المعالم مستمد من ثقافة المجتمع الأصيلة، والإجماع حول المشروع مجتمعيا وسياسيا من خلال تفاعل أطراف العملية التربوية العملية بشكل حقيقي ومجسد، كل حسب وظيفته، مع اختيار القائمين على النظام التربوي حسب ما يحملونه من ثقافة المجتمع خاصة اللغة والدين والتفكير الأصيل وتوفير جميع الإمكانات اللازمة لذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى