*قصة كفاح امرأة مع الحياة*

✒️ صَالِح الرِّيمِي :-

الأنثى القوية هي مصدر الحنان، ونجاحها هو مصدر الحُب اللا محدود لمن حولها، وهي التي ترعى الأسرة، وهي العنوان لمجتمع صالح، فإذا صلحت صلح المجتمع بأكمله وإذا فسدت فسد كل شيء، والمرأه تستطيع أن تتحدى ضغوط الحياة وتمر من أمامها صامدة كأن لم يكن، لأنها تصنع السعادة لنفسها ولا تنتظرها من أحد..
أنقل لكم قصة كفاح امرأة مع الحياة، قصة امرأة عظيمة اسمها “نعمة حسن الريمي” عمرها 60 عامًا، فمنذ 25 عامًا كانت تبيع اللحوح لتعيش مع أبناءها الثلاثة بعد أن تركها زوجها تصارع الحياة، فقد كانت تحلم بعش زوجي سعيد، وبزوج متفهم يقدس الحياة الزوجية ويعرف واجباته قبل المطالبة بحقوقه، عاشت في وهم كبير، حيث لم تجد ذلك الصدر الحاني الذي كانت تتمناه كي تشعر بالدفء والأمان.

وبعد فترة اكتشفت أنها قد خدعت من قبل ذلك الزوج الذي لم يعرف يومًا كيف يتحمل المسئولية تجاه زوجته وأبنائه بعد أن نزع عن وجهه ذلك القناع المزيف وظهرت حقيقته للعيان، زواج أبعد ما يكون عن الآدمية والإنسانية..
تقول: كان زوجي يضربني ويشتمني، وعندما تعرضت للحريق بدل أن يتكفل بعلاجي كان يسمعني كلامًا جارحًا وغير لائق، ويعايرني بأنني لم أعد جميلة بسبب حرق وجهي ويدي، وتركني أصارع المرض لوحدي، وتركني معلقة، لا زوجة ولا مطلقة، وبدون نفقة لي ولأبنائي.

بكل برود تركني وحيدة ومع أبنائه الثلاثة نواجه قدرنا أمام عواصف وتحديات الحياة، لأبدأ حكاية جديدة ملؤها الألم والتحدي والإصرار لمواجهة الحياة بكل قساوتها..
في البداية لم أدرِ ماذا أفعل ولمن التجئ للحصول على كسرة خبز لي ولأولادي، وتسائلت في نفسي هل أمد يدي للناس لمساعدتي؟ أم أسلك طُرقًا أخرى غير محمودة العواقب؟ لكن ولله الحمد لم أفعل ذلك، ولم يأتيني اليأس من رحمة الله، ولم أجد لي خيارًا آخر سوى الخروج إلى السوق لاعمل واكتسب قوت يومي، بدأت عمل اللوح وبيعه، واستمريت في السوق عامًا كاملًا حتى شعرت بأن هناك بعضًا من النسوة يضايقنني في رزقي.

لم استسلم بل حولت عملي إلى بيتي بعد أن صار الناس يعرفون جودة اللحوح عندي، فيأتون إلى بيتي لشراء اللحوح لتميزه ومذاقه اللذيذ ونكهته الرائعة عن السوق، ومنذ 25 عامًا وأنا مازلت أبيع اللحوح لكن الحياة لم تنتهِ بي إلى هنا..
ثم تكمل قصتها قائلةً:
لقد ربيت أبنائي الثلاثة، ولدان وبنت، حتى صاروا اليوم شبابًا، فالبنت قد تزوجت وكذلك الابن الأكبر، ولم يبق معي سوى الإبن الأصغر مازال طالبًا في الجامعة، كنّا نسكن بيتًا بالإيجار، وأضافت كلمة فيما يشبه الذكرى الحزينة: “أقسم بالله أنني بعت ملابسي كي أوفر حق الإيجار”.

صممت أن أبني لي بيتًا خاصًا، فكنت أجمع كل قرش، وكان لدي بعضًا من الذهب حيث قمت ببيعه لأبدأ ببناء البيت من عرق جبيني وعلى مراحل حسب الظروف، فكلما توفر مبلغًا بسيطًا أقوم بشراء بعض مواد البناء، وهكذا حتى أكملت بناء البيت..
وتكمل سرد حكايتها وتسبقها دموعها بالانهمار متذكرةً تلك الحياة بكل قساوتها ومرارتها في الماضي، فلم احنِ رأسي أو أمد يدي لأحد، لكن للامانة هناك قلة قليلة من الناس عرفوا قصتي فوقفوا معي ودعموني كي أعيش حياة كريمة كبقية البشر، إلى جانب مبلغ زهيد من المال كنت اتقاضاه من مكتب الشؤون الاجتماعية “الضمان” كل ثلاثة أشهر، وفي الواقع لا يكفي مصاريف الأسبوع، لكن كان اعتمادي على نفسي أكبر من ذلك المبلغ البسيط.

كل ذلك وزوجي مازال هاربًا من المسئولية يعيش بعيدًا عني، ولا اسمع عنه شيئًا، كما أنه لم يكلف نفسه عناء السؤال عن أحوال زوجته وأبنائه، وكأنه من عداد الموتى..
رغم كل ما تعرضت له من ظلم وجور من قبل زوجي وتركه لي طوال 25 عامًا دون أن ينفق، إلا أنني لم أرفع دعوى نفقة ضده طوال تلك المدة التي غاب فيها عني بدون أي مبرر، وفضلت أن اشكوه إلى الملك الجبار الذي يمهل ولا يهمل، واليوم ولله الحمد أعيش حياة هنيئة ومستقرة، ولم أعد اخاف من المستقبل بعد أن أديت رسالتي في الحياة بنجاح وأوصلت نفسي وأبنائي إلى بر الأمان.

*ترويقة:*
ربما لو علم زوجها اليوم بطيب حالها لعض أصابع الندم، ولفكر ألف مرة قبل أن يقدم على فعلته الحمقاء، وفراره من تحمل المسئولية إلى قريته باحثًا عن ماذا!؟
لا أحد يعلم ربما كانت حياته اليوم أسوأ مما كانت عليه في السابق، فدعوات هذه المرأة المظلومة وسهر الليالي ودموعها على خدها لن تذهب هدرًا عند الملك الجبار حتى ولو عاد يجثو على ركبتيه يستسمحها عذرًا ويطلب منها الغفران.

*ومضة:*
الزوجة نعمة أنموذجًا للمرأة الحديدية القوية المتوازنة، سليمة الفطرة التي لم تنحنِ أمام العواصف والظروف ولم تقهرها الشدائد، فهي امرأة ملئية بالتحدي والعزيمة والإصرار وقوة الإيمان بالله عزوجل، وقصتها تدرس لكل النساء في مواجهة مصاعب الحياة .  

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى