نصف إنسان

✒️ صَالِح الرِّيمِي

في حياتي جالست الكثير من بني البشر وجلهم يتململ ويتضجر من كل شيء، حتى كاتب المقال لا يختلف كثيراً عن بني البشر فأحياناً ينتابه الملل والضجر من سوء أحواله المادية والمعيشية، هكذا هي الدنيا لا تصفو لأحد فقد قال الله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلْإِنسَٰنَ فِى كَبَدٍ)..
وهنا أستدل بقصة رجل قد قرأتها لأكثر من عشر مرات وفي كل مرة أجد نفسي أتعلم وأتعظ وأعتبر من القصة؛ رجل صيني يدعى بنغشولين37 عامًا من مقاطعة هونان، كان دائمًا يتململ ويتضجر من نفسه، يريد أن يكون غير نفسه الذي خلقه الله بأحسن تقويم وأجمل خلقة.

ونسي أن قدرة الله فوق كل اعتبار ففي غمضة عين نال من الله ما أراد، فقد حدث لبنغشولين حادث مروع قضى على نصف جسده، لكن لطف الله نجى بنغشولين من موت محقق، قام الجراحون بالبتر والخياطة رغم كل الصعاب والمشكلات الصحية المتتابعة والمتتالية التي واجهتهم، فقد شهد جذع بنغشولين سلسلة من العمليات لإعادة توجيه كل أجهزته لنظامها داخل جسمه، وصنعوا له البيضة المتطورة مثل كوب غلاف لعقد جسده، مع اثنين من ساقيه الإكترونية..
كيف سيعيش بنصف جسد وجذع مهشم ورجلين مبتورتين؟ فلا يمكن أن يعيش بنغشولين طويلاً؟ قالها الأطباء يائسين من حالته، لكنهم نسوا رب المتفائلين الذي أعطى بنغشولين تفاؤلًا عظيمًا أذهل الأطباء وكل من عرف القصة.

بعد أن قضى بنغشولين ما يقرب من عامين في أروقة مركز بكين لإعادة التأهيل داوم على المشي ومارس الرياضة لتقوية ذراعية وبناء القوة لما تبقى من جسده، بإصرار كالجبال مشى من جديد لكن على أرجل صناعية..
وأصبح بنغشولين رجل أعمال يستخدم كنموذج لمبتوري الأطراف عظة وموعظة، عاد بنغشولين إلى متجره الخاص، وغير أسم متجره إلى متجر نصف رجل وأنزل الأسعار إلى نصف السعر.

قال: بنغشولين بحمد من الله أنا لا أشكو أي شيء أنا أصبحت صحيحا معافى، وسئل ما السر في الابتهاج الذي تعيشه الآن، قال: الله وهبني الحياة مرة أخرى بنصف رجل وهذا خير من فقدان حياتي بأكملها، ثم أردف قائلًا: أنا أتلقى اليوم رعاية جيدة وتعاملا راقيا ممن يتعاملون معي كإنسان صحيح وليس كمعاق علة على نفسه وأهله ومجتمعه..
تخيلوا معي لو حصل الحادث لإنسان في مجتمعاتنا هل سيعالج بهذه الإمكانيات الهائلة؟ وماذا سيكون مستقبله بعد الحادث؟ وكيف سيعيش بنصف إنسان.

هذه التساؤلات نحتاجها كثيرًا لمعرفة قيمة الإنسان الذي خلق بأحسن تقويم وسخر له كل ما في السموات والأرض لأجل أن يعيش حياة كريمة بكرامة إنسان..
فأيها الإنسان: الصحيح الكامل من عاهات وأمراض وأسقام لا تسخط – لا تتضجر – لا تتململ بعدم رضائك على أي شيء، فهكذا هي الدنيا، واعتبر من قصة بنغشولين الذي يعيش بنصف جسد وليس لديه أقدام، وأنت لديك الجسم الصحيح والقدمين واليدين والعقل السليم.

*ترويقة:*

عجيبة هي الدنيا لا تصفو لأحدٍ حتى تتكدر لآخر ولا يهنأ بالعيش فيها إنسان حتى يصاب بالضنك والهم، فلا يحلو ليلها إلا ويتبعه المرارة والعلقم في نهارها ويكاد ألا يفرح في الصباح إنسان حتى يلحقه الحزن في المساء.

*ومضة:*

قال الشاعر:
طبعت على كدر وأنت تريدها
صفوا من الأقدار والأكدار
لكن المتفائل: هو الذي لا يشكي همه وحزنه لبني البشر لمجرد الشكوى فقط، بل هو دائم التفكير والشكوى لرب البشر من يملك مفاتيح وخزائن السموات والأرض.

*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى