*بر الوالدين طريقك إلى السعادة*
✒️ صَالِح الرِّيمِي
إن بر الوالدين هو أقصى درجات الإحسان إليهما، ويدخل فيه جميع ما يجب من الرعاية والعناية، وقد أكد الله الأمر بإكرام الوالدين حتى قرن الله سبحانه وتعالى الأمر بالإحسان إليهما بعبادته التي هي توحيده والبراءة عن الشرك اهتمامًا به وتعظيمًا له..
كنت حاضرًا دورة تدريبية عن العطاء، وبعد انتهاء الدورة ذكر المدرب قصة مشرقة في بر الوالدين فيها من البر الشيء الكثير، وكانت القصة بين شاب ووالده، انقلها لكم بتصرف: حيث كان هناك الأب عليه دين لرجل، وقد تأخر بالسداد لظروف ألمت به.
وفي يوم من الأيام جاء صاحب الدين يطلب دينه وطرق عليهم الباب ففتح له أحد الأبناء فاندفع الرجل بدون سلام ولا احترام وأمسك بتلابيب صاحب الدار وقال له: اتق الله وسدد ما عليك من الديون فقد صبرت عليك أكثر من اللازم ونفذ صبري ماذا تراني فاعل بك يا رجل؟!
وهنا تدخل الابن الأكبر ودمعة في عينيه وهو يرى والده في هذا الموقف وقال للرجل كم على والدي لك من الديون، قال أكثر من تسعين ألف ريال. فقال الابن: اترك والدي واسترح وأبشر بالخير، ودخل الشاب إلى غرفته حيث كان قد جمع مبلغًا من المال قدره سبعة وعشرون ألف ريال من راتبه ليوم زواجه الذي ينتظره ولكنه آثر أن يفك به ضائقة والده ودينه على أن يبقيه في دولاب ملابسه.
دخل إلى المجلس وقال للرجل: هذه دفعة من دين الوالد قدرها سبعة وعشرون ألف ريال وسوف يأتي الخير ونسدد لك الباقي في القريب العاجل إن شاء الله تعالى، هنا بكى الأب وطلب من الرجل أن يعيد المبلغ إلى ابنه فهو محتاج له ولا ذنب له في ذلك فأصرّ الشاب على أن يأخذ الرجل المبلغ، وودعه عند الباب طالبًا منه عدم التعرض لوالده و أن يطالبه هو شخصيًا ببقية المبلغ..
ثم تقدم الشاب إلى والده وقبل جبينه وقال يا والدي قدرك أكبر من ذلك المبلغ وكل شيء يعوض إذا أمد الله عمرنا ومتعنا بالصحة والعافية، فأنا لم أستطع أن أتحمل موقف اهانتك أمامي، ولو كنت أملك كل ما عليك من دين لدفعته له ولا أرى دمعة تسقط من عينيك على لحيتك الطاهرة. هنا احتضن الأب ابنه وأجهش بالبكاء وأخذ يقبله قائلًا له: الله يرضى عليك يا ابني ويوفقك ويعوضك خيرًا مما دفعت ويحقق لك كل طموحاتك، أذهب يا بني فإني راضٍ عنك.
وفي اليوم التالي وبينما كان الابن منهمكًا في أداء عمله الوظيفي زاره أحد الأصدقاء الذين لم يره منذ مدة وبعد سلام وسؤال عن الحال والأحوال، قال له ذلك الصديق: يا أخي أمس كنت مع أحد كبار رجال الأعمال وطلب مني أن أبحث له عن رجل مخلص وأمين وذو أخلاق عالية ولديه طموح وقدرة على إدارة العمل، وأنا لم أجد شخصًا أعرفه تنطبق عليه هذه الصفات إلا أنت، فما رأيك أن نذهب سويًا لتقابله هذا المساء؟.
فتهلل وجه الابن بالبشرى وقال: لعلها دعوة والدي وقد أجابها الله، فحمد الله كثيرًا، وفي المساء كان الموعد فما أن شاهده رجل الأعمال حتى شعر بارتياح شديد تجاهه وقال: هذا الرجل الذي أبحث عنه وسأله كم راتبك؟ فقال: ما يقارب الخمسة ألاف ريال. فقال له: اذهب غدًا وقدم استقالتك وراتبك خمسة عشر ألف ريال، وعمولة من الأرباح 10% وراتبين بدل سكن وسيارة، وراتب ستة أشهر تصرف لك لتحسين أوضاعك.
وما أن سمع الشاب ذلك حتى بكى وهو يقول أبشر بالخير يا والدي، سا سدد دينك. فسأله رجل الأعمال عن سبب بكائه فحدثه بما حصل له قبل يومين، فأمر رجل الأعمال فورًا بتسديد ديون والده، وكانت محصلة أرباحه من العام الأول لا تقل عن نصف مليون ريال..
عليك أن تعطي وتخلص في العطاء وليس عليك إدراك الغاية، عليك أن تسعى وتُجمِّل سعيك بالإتقان والإحسان، وليس عليك انتظار النتيجة، عليك أن ترعى ما بين يديك بأفضل ما لديك وسيتكفّل صدقك بخير مما تتوقّع، ذلك أنّ الله صَدَق وعدهُ إذّ قال: (لا أُضِيعُ عَمَل عامِل منكم).
*ترويقة*
بر الوالدين من أعظم الطاعات وأجل القربات وببرهما تتنزل الرحمات وتنكشف الكربات، فقد قرن الله برهما بالتوحيد، فقال تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما}، والجزاء من جنس العمل، وكما قيل : “بروا آباءكم تبركم أبناؤكم”، ويكفيك شرفًا أن الله عز وجل راضٍ عنك برضا والديك عنك.
*ومضة:*
بر الوالدين طريقك إلى السعادة والتوفيق في الدنيا والآخرة، وكلما زاد بر الوالدين زاد التوفيق في الحياة.
*:*
*كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك*