نصيحة الإسكافي

بقلم: مريم المعشني

في أيام الطفولة كنا نجتمع في القرية المجاورة عند جدة تحكي القصص لمجموعه من الأطفال مشكلين
حلقة دائرية، وكانت تخبرنا عن بائع الأحذية، عندما كان يستقبل صباحه بفتح دكانه لاستقبال زبائنه بكل ود في قرية
تتصف بالبساطة محاطة شوارعها وبيوتها بالأشجار والزهور التي تبهج العيون من جمال منظرها وأصوات خرير المياه العذبة في الوديان ومنظر العشب الأخضر المليء بقطرات الندى الذي ينعش النفس ويبعث فيها الأمل والسكينة.
تقول كان بائع الأحذية شيخا يبلغ ثمانية وستين عاما، كان يملك دكان قديمًا قريبًا من الوديان ذات اللون الترابي، ومحاطةبالزهور، تبهج نفوس زوارها ، من ذلك المنظر تتضح سمات الروح اللطيفة التي يمتلكها صاحبها، كان الشيخ يبيع أحذيته لزبائنه القرويين كلً صباح ويردد هذي المقولة دائما (توكل ،سرك هو أمانك ).
وكانت أصوات هؤولاء القرويين عندما يبدأون في الشراء تصل لآخر القرية البديعة .
وفي يوم أتى طفل مع والده ليشتري له العديد من الأحذية كونه طالب في المدرسة ويدرس بعيدًا عنه قريته ،وعند إنتهاء والده من شراء الأحذية ردد الشايب المقوله(توكل ،سرك هو أمانك)
التي يرددها دائما لزبائنه ولكن هذا الرجل شدت انتباهه هذه المقولة، وترددت عدة تساؤلات في ذهنه لم هذا الشايب يرددها لزواره؟ كان راجعا لبيته ولكنه رجع مسرعًا للشيخ، و انتظره حتى ينهي بيعه الأحذية لزبائنه،وطبعًا رحب به الشيخ واستضافه بفنجان القهوه وسئله الرجل
لماذا تردد هذي المقولة فضحك العجوز فقال له يا بني هذي المقولة لها بحار عميقه فأنا عشت أيامي دائما أفتقر الأمان العاطفي ،فأخبره بقصته أنه كان دائمآ يعاني من شدة الانفعال والعناد عندما كان طفلًا وقال كنت أفضل العزلة عن بقية الأطفال في المدرسة فكنت لا أحب الاختلاط ومشاركة زملائي في الصف كنت دائما قلقا عندما تبدأ حصص المدرسة كنت لا أشعر بالأمان وأنا في البيئة الدراسية وعندما أشارك مع زملائي في الحصص أشعر بالقلق والتوتر ولا أجيد التعبير براحة ومستواي الدراسي متدني، وكنت منفعل وعصبي عندما ألعب مع زملائي لا يأتي اللعب على هواي وكنت أفتعل المشاكل لأتفه الأسباب فوالداي كانا يهتمان بما أحتاجه من أكل وملبس ولكن لم يسئلوني يوما كيف هو شعورك ماذا تفعل مع زملائك هل أنت سعيد في صفك لم يعوداني على العطف والراحة فيً فضفضة مشاعري لهم بكل أريحية دون قلق ينتابني كنت أخاف من التحدث معهم بخصوص عواطفي ومشاعري الطفولية فأثر سلبيًا على شخصيتي كطفل إلى أن كبرت وأصبحت شابًا وأنا مفتقد الإهتمام من والداي أردت الإعتماد على نفسي ماديًا بحكم مستواي الدراسي المتدني لم ألتحق بأي جامعة أو كلية فقررت أن أنتقل لقرية ريفية وأفتح دكان لبيع الأحذية وأكملت أيام عمري في بيع الأحذية لأعيش مكتفيًا لا منتظرا عون أحدًا ،وابنك الذي بجنبك في سر نجاحه المستقبلي بعد توفير إحتياجاته المادية هو إهتمامك النفسي والاجتماعي به ،ومراعاتك وتركيزك على جانبه العاطفي وحل مشاكله النفسية وأن تكون صديقا له وتدعه يعبر ويتكلم عما بداخله بكل أريحيه دون قلق فقال له الرجل ابني يعاني مما قلته ،وكذلك العزلة عنا دائما وأنا ممتن لك كثيرًا أيقظتني لأنتبه لهذا الجانب الذي كنت أهمله مع ابني .
يظن بعض الأباء والأمهات أن الحياة الأسرية سعادتها تقتصر فقط على الماديات أكثر من المعنويات ونرى كثيرا من الأسر يهملون الجانب العاطفي والنمو النفسي والاجتماعي ونجدهم لا يفتحوا للأطفالهم أبواب المناقشه والإستماع إلى مشاكلهم والتعبير عنها بكل حرية وكذلك نرى بعضهم يستخدمون أسلوب الترهيب المعنوي ولا يدركون أبعاد الأذى النفسي على حاضر ومستقبل الأطفال فمثلا بعض الأباء يسلك طريقه الترهيب في تربية ابنه الصغير والمعروف بشقاوته هو ورغم صغر سنه إلا أنه بات مصدر ضيق وقلق لكونه لا يكف عن الحركة وإيذاء الجيران،يبدأون بتخويفه وتهديده و بأنهم سوف يتركونه لوحده في مكان مهجور
أو يعلقونه في سقف الغرفة ذلك مما يجعل الطفل ينبي في نفسه الخوف والقلق ويفتقر للاستقرار العاطفي نتيجة لاستخدام هذي الطريقة، سواء الردع أوالتهديدات ،ويترك انعكاسا سلبيًا على حياة الطفل وتسبب ذلك في إنطوائه وحزنه بعد أن كان شعلة نشاط وحيوية، خوفا من أن ينفذ والداه ما هدداه به وذلك يبقيه متوترا دائما شارد الذهن،فالأمان العنصر الأساسي لتعزيز الشعور وقوة الشخصية والقدرة على التعامل مع الآخرين سواء داخل الأسرة أو المدرسة أو المجتمع، و”نحن في مجتمعاتنا بحاجة للتركيز على بناء الإنسان فهو مصدر القوة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى