شتات الذاكرة … ( النافذة المهجورة )
من كتاب شتات الذاكرة للأستاذ الجزائري سليمان قعدة
على باب أزقتنا القديمة التي تنثر قليلا من دفئها على أرواحنا المتجمدة ..
والتي لا تزال شاخصة تحمل عبق أشخاص حفرت أسماؤهم في قبر ذاكرتي ..
هذه الذاكرة التي بِتُ أرقد فيها كطائر مذبوح ..
وعلى جدران أزقتنا طلاسم حروف لا يفك شفراتها إلا أنا ..
و حين أقف لقرأتها يزداد تفكيري بك رغم بعد المسافة والزمن ..
وأشعر أنك أقرب من كل شيء فأمد يدي إليك وأرقص الرقصة الأخيرة معك وأحتضن خيبتي ..
وحين أتجول بتلك الأزقة ينتابني شعور بالعزلة ..
عندما أجد نافذتكم موصدة ..
وخلفها تنوح الغربان ..
تلك النافذة التي لا تزال أنفاسك تعبق بين شقوقها ..
والتي كنت تلحظني من وراء ستائرها عند عودتي كل مساء ..
وأزداد ألما وأنا أرى دكان الحي قد أغلق هو الآخر.. وتحول الى خراب .. ذلك الدكان الذي كان مكان إلتقائنا .. وتبادل الكتب المدرسية وكراسات الدرس التي كانت تحمل في طيات صفحاتها أروع رسائلنا الحالمة .. تلك الرسائل التي كنت احتفظ بها في صندوق خشبي مع بعض كتبي القديمة وقصاصات الجرائد .. ولا زلت احتفظ بكثير منها في ذاكرتي .. وكنت كلما أنهيت واجباتي المدرسية .. ابتعدت عن مكتبي وتمددت فوق سريري في الركن القصي من غرفتي قرب نافذتي .. استند إلى ظهر سريري .. وأعيد قراءة رسائلكم التي تسافر بي حروفها المبعثرة على صراط الأحلام .. فتنتهي بي إلى محطة الأماني .. وهناك أرسل ردودي المعجونة بالألم والأمل عبر شقوق العمر المتهالك .. فأعلقُ كأجراس المآذن الخربة التي غادرها الرهبان .. حينها لا الفجر يرسل أنفاسه المعتادة على جزري الغارقة .. ولا المساء يعزف ألحانه الهاربة على قيثارتي التي لا تزال تقاوم النسيان .
وها أنا أرى بعين طفولتي تلك الأيام الهاربة ..
وأعلم أني لا أعود على تلك الخطى ..
وها أنا أحدث ضجيجا لأقتل السكون بداخلي ..
حتى ولو بحثت عنك في تلك الأيام الخوالي في العواصف الرعود وليالي المطر ..
حتى وإن شعرت بالبرد في خلوني وحيدا ..
أعلم أنها كالأمس لن تأتي أو كروائع قصائدي التي لا تزال حبيسة صدري ..
وحتى لا أبقى وحيدا على المرفأ ويتشفى في الغياب .
. ها أنا أتظاهر بالرقص كالديك المذبوح