الفاتيكان حاضرة.. كلمة أوقاف كردستان بمؤتمر حوار الأديان ببغداد (فيديو)

زار الديوان السني العراقي للعمل المشترك ونشر الفكر الوسطي

 

كتبت – حسناء رفعت

شارك وفد من وزارة الاوقاف والشؤون الدينية بإقليم كردستان في الملتقى الثالث لحوار الاديان بين الفاتيكان ووزارة الخارجية العراقية الذي انعقد في بغداد.

الشيخ ابراهيم البرزنجي مدير البحوث والإرشاد ونيابة عن معالي وزير الاوقاف والشؤون الدينية الدكتور پشتيوان صادق ألقى كلمة الوزارة.

وقدم تحيات وتقدير معالي الوزير للحاضرين وسلط الضوء على التعايش الديني في الاقليم ودور وزارة الاوقاف في احتضان ممثلي الاديان في مديرية التعايش وابراز دور علماء ورجال الدين في هذا التعايش.

وقدم انجازات الوزارة وبعض المقترحات في سبيل خدمة المجتمع.

جاء نص الكلمة كتالي..

الحضور الكريم في البداية أُقدم تحياتي وامتناني للحاضرين جميعاً واثمن القائمين على هذا الملتقى على دعوتنا لحضور  هذا المحفل.
وباسم معالي وزير الاوقاف  والشؤون الدينية الدكتور  پشتيوان صادق اقدم السلام والتحيات للحاضرين جميعاً  .
قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات:13)
فإن الناس يحتاجون على اختلاف دياناتهم، وثقافاتهم، وألسنتهم،  وقوماياتهم وميولهم إلى الحوار البناء الهادف؛ لحل المشكلات ، والوصول إلى نتائج مثمرة فى حل الخلافات، والوقوف على مشتركات تجمع المتحاورين مع اختلاف الديانة، والفكر، والمعتقد ؛ خاصة فى ذلك الوقت الذى كثر فيه التعصب، وعدم تقبل الآخر، وارتفاع صوت السلاح على صوت العقل، والفكر، والحوار.
ولعل مبدأ التعايش هو الذي يقود  مسيرة الحوار بين الاديان بصورة هادئة وبناءة فهو ضرب من التعاون المشترك الذي يقوم على أساس الثقة والاحترام المتبادلين بطواعية واختيار، والذي يهدف إلى تحقيق أهداف يتفق عليها الطرفان، أو الأطراف التي ترغب في تقبل بعضها، فهو إذن قائم على تعلم العيش المشترك والقبول بالتنوع، وموقف الأساس في الإسلام من بني البشر هو التكريم للإنسان، بصرف النظر عن أي انتماء من الانتماءات فهذا الإنسان المكرم هو خليفة الله في الأرض .
يتمتعُ إقليمُ كوردستانَ العراق بنظامٍ فيدرالي ديموقراطي حسب المادة الاولى من الدستور العراقي والتي نصت على ان جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي برلماني ديمقراطي ،  ومنذ اكثرَ من مائةِ عامٍ نُناضِلُ في كوردستان من أجل إحقاق الحق ونشر الحرية وصنع السلام، فقدَّمنا التضحيات بالغالي والنفيس، وفي المقابلِ مُارسَ ضدنا شتى أنواعِ الاضطهاد والتهميشِ .
وبعدَ سنة( 1991) استطعنا الحصول على فيدرالية خاصة بمناطقنا وقمنا ببناء مؤسساتنا الديمقراطية من برلمان وحكومة وفق الحوار البناء  مع كافة الأطراف السياسية في العراق وكوردستان،وبعد سنة( 2003) انتظمنا بأقليم وفق نظام فيدرالي حسب الدستور العراقي سنة (2005 )
إنَّ التعايش الديني في كوردستان له جذور تاريخية ومسيرة ناصعة البياض باتَ محلُ فخرٍ وإعتزاز، ولم يسبق في تاريخنا حدوث صراعات بين الأديان الى وقتنا الحاضر لك نتحاور لحل الخلافات وانما نتعايش بصورة طبيعية؛ لان الاجداد هكذا علَّمونا ، فكوردستان – العراق يعتبر قلعةً للتعايش الديني والقومي ومثالاً حياً يُحتذى به في المنطقة والفضل ُ يعودُ الى الاستقرار، والوئام المجتمعي والتطور الذي يشهده كوردستان في شتى المجالات ،والمجتمع الكوردستاني لديه قناعة تامة بحقوق الاخر وحرية الدين والمعتقد منذ الازل، كما ان للعلماء الافاضل ورجال الدين الدور القيادية في ترسيخ هذه المفاهيم لدى الجماهيروالاجيال المتلاحقة.

وبعدَ انتفاضة الشعب الكوردي سنةَ 1991 ووقوع المؤسساتِ الحكوميةِ بِكوادرِها والألوية العسكرية بقادتها تحت إدارتنا بعد الانتفاضة الشعبية؛ رحِمَ الاخوةُ الانسانية منعنا من إيذائهم بلْ عفى القيادة والشعب الكوردي حتى على الذينَ تلطختْ آيدايهم بدماءِ أبنائنِا وآبائنا، وكذلك بعد سقوط النظام السابق سنة 2003 أكَّدنا عمق أواصر الاخوة مع العراقيين فشاركنا في بناء العراق الجديد بكافة مراحلها والى الان.
وفي الوقتِ الذي وقعَ الصراعات المتعددة في العراق منها المذهبية والطائفية وبعد ظهور داعش الإرهابي سنة (2014)، نزح نحو مليوني إنسان من مختلف المكونات والاديان في مناطق عموم العراق وسوريا وخاصةً ابناء الديانة المسيحية والايزيدية فتعامل شعب كوردستان معهم بكل إنسانية ففتحنا لهم مساجدنا ودور العبادة والمدارس في سبيل إيوائهم وما قمنا بذلك الاَّ ايماناً منا بمبادئ التعايش واحترام الاخر  .
وبحكم عملي في وزارة الاوقاف والشؤون الدينية والتي تعتبر  من الوزارات المهمة والحيوية في العراق عموماً وكوردستان خصوصاً ، نؤكد على أهم أهداف الوزارة في الاهتمام بالدين الاسلامي الحنيف والاديان الاخرى وتراثها واحترام العلماء ورجال الدين والحفاظ على مكانتهم الاجتماعية وتحسين اوضاعهم المعيشية لممارسة نشاطاتهم الدينية والوطنية والقومية والاجتماعية بما يخدم المجتمع الكوردستاني و كذلك العمل على توثيق الروابط بين مختلف الديانات والمذاهب والطوائف في كوردستان و العراق , الاهتمام بشؤون الاديان والطوائف والمذاهب في الاقليم بما يحقق روح التسامح بين الاديان وتأمين التواصل فيما بينها .
لقد ورث المنطقة العنف والكراهية وذلك لعيشه في بيئة عنيفة ومتناحرة وحروب متلاحقة مما ولّد عند الناس أن يفكروا في حل مشاکلهم عن طریق العنف بصرف النظر عن الحياة الاجتماعية، ومعلوم ان مثل هذه العقلية سيكون لها تأثير على صنع القرار السياسي والاقتصادي, ومن الواضح هناك إمكانية كبيرة للتغيير والتحول من مبدأ العنف إلى مبدأ اللاعنف ومن مبدأ  الانغلاق الى الانفتاح على الاخر ، وهذا الامر حتماً يخلق في النهاية نشر ثقافة السلام والحوار البناء والعيش المشترك ، وإذا نظرنا بدقة فإنَّ عناصر خلق ثقافة السلام نلمسه في المجتمع العراقي بحمد الله تعالى ،لذلك كل ما نحتاج إليه هي الإرادة والخبرة اللازمة والتعاون لاستخدام هذه العناصر في العيش الامن.
اثبتت إقليم كردستان ان بإمكانه التأقلم والعيش بسلام مع جميع المكونات في العراق والمنطقة وأصبح بيتا آمناً لجمیع المذاهب والمعتقدات الدينية ، علاوة على ذلك ساعدت الحكومة على فتح الكنائس ودور العبادة لممارسة الطقوس الدينية بكامل الحرية، وهذه من أهم العناصر المهمة التي أدت الى خلق فضاء للتعايش السلمي بين الاديان في الإقليم مما ساعد على تقليل من خطابات الكراهية بين الأديان، وكان لوزارة الاوقاف والشؤون الدينية دوراً بارزاً وحيوياً في مواجهة خطاب الكراهية ونشر التسامح والاعتدال وبناء حوار مثمر بين الجميع فهو مظلة خير تجمع الجميع
وقد خطونا خطوات إيجابية يمكن اجمالها في الآتي :
1 – تم تغير اسم وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية الى وزارة الاوقاف والشؤون الدينية بقانون صدر من برلمان كوردستان سنة( 2007) والتي ضمت في أهدافها الاستراتيجية في الاهتمام بتطوير التعايش بين الاديان.
2 – ومن جانب حرية الأديان يعيش في إقليم كوردستان – العراق غالبية الاخوة المسيحيين والإيزيدين في العراق ومعظم معتنقي الديانات الاخرى في الاخوة الصابئة المندائيين والبهائيين والزردشتية والكاكائية وغيرهم ويمارسون طقوسهم بكل أمان وحرية، بل تضمن البرنامج الحكومي سبل تطوير الكنائس ودور العبادة للديانات الأُخرى بحسب قانون حقوق المكونات لبرلمان كوردستان رقم 5 لسنة 2015.
3 – عقد وزارتنا مؤتمراً خاصاً بخصوص الخطاب الديني في شهر نوفمبر سنة (2016) وخرج بتوصيات مهمة تصب جميعها في نشر مبادئ التعايش الديني والحوار البناء وتجديد الخطاب الديني من أهمها :
توحيد عنوان خطبة الجمعة، وفتح معهد خاص بتأهيل وتطوير الأئمة والخطباء في مكافحة التطرف والتشدد .
4- بقرارٍ من وزارة الاوقاف والشؤون الدينية تم فتح مديرية التعايش الديني والمكونات سنة (2017) وتجمعُ هذه المديرية ممثليين عن جميع الديات الموجودة في الاقليم ، أسوة على ذلك يوجد في وزارتنا المديرية العامة لشؤون الاخوة المسيحيين والمديرية العامة لشؤون الاخوة الايزيديين منذ سنة (1993)، ولنا اهتمام خاص برعاية المقامات التابعة للديانات الموجودة في الاقليم حيث يوجد (135) كنيسة ويعتبر كنيسة المشرق الاشوري في اربيل المقر الرئيسي لكنائس الشرق الاوسط مع (92) مزار مسيحي  ، وللايزيدين (336) مزار ومعبد واهمها معبد لالاش النوراني والذي يعتبر من أهم المزرات حيث يتوافد اليه اعداد كثيرة من الايزيدين لاداء طقوسهم الخاصة في كل سنة.
5–وبالتعاون مع المنظمات الدولية قامت الوزارة بإقامة دورات مكثفة باسم (اثر التعايش السلمي في الخطاب الديني) في عموم محافظات الإقليم وبمشاركة أكثر من ثلاثة الآلآف خطيب سنة 2017، وعقدنا مؤتمراً خاصاً في 24 / 12 / 2018 في مدينة اربيل وبمشاركة ممثلي كافة الأديان في كوردستان والذي يبلغ ممثليهم في وزارتي ثمانية أديان وهذا المؤتمر حمل عنوان ( الحريات الدينية ) وخرج بتوصيات قيّمة.
وفي الختام اقدم لكم ومن خلال هذا الملتقى بعض المقترحات في سبيل التعاون المثمر بين الجميع:
1 – تفعيل دور المراجع والمؤسسات والشخصيات الدينية القيادية في العالم والشرق الأوسط بشكلٍ خاص مع الحكومات والمؤسسات الرسمية على بث خطاب ديني مشترك يؤكد على روح التعايش السلمي والتسامح في المجتمع وينبذ التطرف والكراهية ويؤسس لبناء حوار ايجابي وفق مبادئ وثيقة الاخوة الانسانية.
2 –وضع برنامج لتطوير وتأهيل الائمة والخطباء والقيادات الدينية  في العراق واقليم كوردستان بالتعاون مع الجهات المعنية.
3 – تطوير السياحة الدينية من خلال تنمية الاماكن التراثية في العراق و الاقليم عبر التعاون بين وزارة الاوقاف والشؤون الدينية والمؤسسات الراغبة في ذلك.
5 – نقترح فتح مركز دولي يهتم بشؤون الاديان والطوائف والمذاهب الإسلامية المتعايشة في العراق أو في الاقليم بشكل مشترك اسوة بمراكز الحوار بين الاديان في الدول الاخرى .
وفي الختام أشكرُ حسن إصغائكم ولطف استماعكم واتمنى بأخذ مقترحاتنا بنظر الإعتبار . وادعوا المؤسسات الى فتح افاق التعاون الامثل فيما بينها في مواجهة التطرف وبث سماحة الاسلام ونشر الحوار وكوردستان ابوابها مفتوحة لجميع من يرغبون في التعاون معنا وتطوير العمل المؤسساتي .
وتقبلوا وافر تحياتي   والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الدكتور ابراهيم محمد طاهر البرزنجي مسؤول البحوث والدراسات والارشاد الديني.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى