سلطنة عمان بلد متنوع دينياً وعرقياً وثقافياً ورغم كل هذا التنّوع إلا ان الكل سُنة وشيعه ومسيح يحترمون بعضهم الآخر، يتعاضدون فيما بينهم، يؤدون الطقوس الدينية وبكل اريحية ودون تضييق او تزلُّف او مواربة من الأخر في مشهد ينم عن حضارية واحترام الثقافات والعيش والمحافظة على تماسك وتشابك المجتمع الواحد
تتعايش الثلاث المذاهب المكونة للمجتمع العماني ( السني – الشيعي – الاباضي) في وئام وتسامح ديني منقطع النظير، حتى أصبحت أية مظاهر للتعصب الديني أو النعرات الطائفية منبوذة في المجتمع العماني وغريبة عنه. فالدولة تتيح للجميع ممارسة شعائرهم الدينية بحرية، ويعيش المجتمع العماني في تآلف وتجانس، وعلى الرغم من أن موقع السلطنة كدولة شاطئية قد عرضها منذ القدم للعديد من الهجرات المتبادلة مع الأقاليم المجاورة في آ سيا و أ فريقيا، إلا أن ذلك لم يحدث أي خلل في التركيبة الا جتماعية لهذا المجتمع المتسامح
وعقب اندلاع الاحتجاجات الشعبية في 2011م في عدة دول عربية، وتفشي الاقتتال الطائفي والمذهبي واتساع نطاق حدتهما سارعت السلطنة لسنّ قوانين تُجرّم اي عمل من أعمال التمييز العنصري إذ اعتبر قانون الجزاء العماني كل دعوة للتمييز العنصري جناية حيث نص في المادة 130 مكرر “على أنه يعاقب بالسجن المؤقت مدة لا تزيد على عشر سنوات كل من يروّج ما يثير النعرات الدينية أو المذهبية أو حرض عليها أو أثار شعور الكراهية أو البغضاء بين سكان البلاد”
تحرص السلطات المعنية فيها على اجتثاث دابر هذه الأفعال والممارسات وعدم التساهل مع مرتكبيها ب اعتبار هذه الأفعال والممارسات شاذة ومنفرة في المجتمع وعامل تفرقة من شأنه أن يهدد تماسكه ويبث فيه الضغينة والكراهية
ولم يكن هذا التوجه العماني من باب أن السلطنة تسود فيها الطائفية ودعوات التفرقة وإنما تأكيداً على ضرورة تعزيز حماية البلد من مخاطر اي دعوات تمُس النسيج الاجتماعي المتعاضد، او تنال من أمن واستقرار السلطنة
يبدو جلياً ان الصراع في الكثير من الدول العربية وتحديداً في اليمن والعراق صراع طائفي ولعب دوراً بارزاً في تفتيت الدول وتشرذمها واراقة دماء قرابة مليون شخص وتهجير الملايين الى خارج اوطانها، فضلاً عن دمار هائل للبنى التحتية وللموارد هذا الصراع رسخّته مفاهيم خاطئة وعززته ضعف الأنظمة السياسية وتزايد التدخلات الخارجية وتقاسم النفوذ ودعم طرف ضد طرف بالمال والعتاد والسلاح من قبل قوى اقليمية ودولية ،ومع الأسف استخدمت كافة الوسايل والادوات لتأجيج واستفحال الصراعات والاقتتال وكل ذلك لم يخدم بناء وتنمية الشعوب بقدرما يعكس تشضيها وتشرذمها وتفككها
صحيح ان السلطنة لا تخلو من الاشكاليات الاقتصادية، وتواجه الكثير من الصعوبات في جوانب عدة، لكنّ تماسك وتعايش ابناء هذا البلد العربي وتوحدهم رغم اختلاف وتنوع الثقافات والاديان والمذاهب لابد وأن يتم الاستفادة منها وأن تكون نموذجاً يجب على كل الشعوب والأمم ان تحذو حذوها في ايجاد مجتمعات مستقرة آمنة، بعيدة عن كل صور ومظاهر الغلو والتطرف بين مكوناتها، مُحترمة لمبادئ العيش المشترك والحق في الحياة للجميع دون استثناء
ما من دولة عربية إلا وكان لتنظيم داعش الارهابي افراداً منها ب استثناء سلطنة عمان، وما من دولة عربية إلا ونال هذا التنظيم الارهابي المتطرف من أمنها وإستقرارها ب استثناء سلطنة عمان وفي كلا الجانبين نستطيع القول: بأن تماسك ابناء عمان وعدم تفشي مرض التمييز العنصري والمذهبي ومحافظة حكام السلطنة على استقلالية القرار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول كل هذا حصّنها من الارهاب والتصدّع، وحال دون وقوعها ضحية لانقسامات مجتمعية او دعوات طائفية او ضحية لهجمات ارهابية
نكرر السلطنة لا مكان فيها للغة المذهبية او الطائفية او الفئوية المقيتة، وليس فيها اي خطاب يُقدّس مذهباً معيناً ويناهض مذهب آخر، او يتبنى خطاباً مضاداً ضد غيره فكل المذاهب تؤدي طقوسها وصلواتها وبطريقه طبيعية وعادية، وكل طرف يكن للآخر كل الخير
كما وانها تحرص وتبذل جهوداً كبيره في ان تعيش كل المجتمعات متحررةً من كل صور العنف والصراعات والخلافات، وترى في ذلك تهديداً خطيراً على سلامة وأمن واستقرار الدول وعامل مساهم في تمزيقها وتشتتها لهذا فهي حريصة على ان تتحرر كل الشعوب من هذا الوباء والآفة الخطرة
لهذا ب امكان بلداننا المتأزمة والواقعة رهن الطائفية والمذهبية العمياء أن تتخذ من النموذج العماني الخلاّق وسيلتها الأسمى للتحرر من براثن الصراع ومآلاته الهادمة للأرض والإنسان معاً.