قصة وعبرة…
بقلم . فايل المطاعني
أذكر أياماً خوالي قضيتها من عمري في دمشق، وأذكر جارة لي هنالك..
كنت كلما طرقت عليها الباب صباحاً لأقول لها: تفضلي، اشربي فنجان قهوة، كانت فوراً تأخذ حجابها ومفتاحها وتدخل وتقول: وين القهوة؟ فليس لدي وقت..
أغلي القهوة سريعاً.. ونشربها.
فتقوم، وتقول: ليس لدي وقت..
وأتعجب انا منها
كل يوم.. وكل وقت.. وأنا أعزمها دائماً.. فقد كنتُ قد كبرتُ ورجعتُ وحيدة..
والعجب أنها أكبر مني عمراً.. وليس لديها سوى زوج عجوز مثلها..
ودائماً تسترق الزيارة سريعاً وتعود وهي تعتذر: ليس لدي وقت..
وأحياناً اعزم نفسي عندها، وأراها تبتسم وتقول: فوتي أغلى القهوة فليس لدي وقت..
وازيد عجباً فلست أرى مايشغلها..
أشرب القهوة وأعود سريعاً خوفاً من ازعاجها..
وذات يوم قلت لها مازحة: ياريت تشغليني معك بالذي شغلك، وجعلك ماعندك وقت..
فأشرق وجهها استبشاراً وفرحت وقالت منذ زمن وأنا أنتظر منك هذا الطلب..
غداً نبدأ عملنا معاً إن شاء الله تعالى..
دخلت صباحاً، شربنا القهوة.. ومن ثم قالت:
ليس لدينا وقت..
أحضرت مصحفين وقالت: هيا بنا نقرأ آية ونتدبرها، ونحاسب أنفسنا أين نحن منها!!
حَبِستُ أنفاسي… : مصحف؟ آية؟ نتدبر؟
أين أنا من هذا؟
هذا ما يشغلك ياجارتي العزيزة الرائعة؟
هذا هو لغز (ليس لديك) وقت؟
قالت مبتسمة: نعم، فلم يعد لدينا أنا وأنت وقت.. نُسابِقُ زمن عمرنا، ودقائقه، وثوانيه قبل أن يسبقنا، ونجد أنفسنا في قبر مظلم لايُنيره سوى نور القرآن، والصّدق مع كلام الله، وتعمير أوقاتنا بالطّاعات والمبرّات..
آه.. كم أحسستُ لحظتها أني كبرت كثيراً، وأنه فعلاً ليس لدي وقت!! وأحسست بيدي تمسك بحافة القبر وأنا أنظر إليه..
وأحسست بدقات قلبي معدودة..
أمسكتُ بالمصحف عطشى، أرتوي منه، ولاينتهي ظمئي..
آه.. يانفسي كم شغلتيني عن كلام ربي!! سأسابق الزمن، والعمر، والموت..
انتهت القصة.. أعتذر منكم..
فليس لدينا وقت.