ليشهدوا منافع لهم
بقلم – إبراهيم يحيى المهدي
قال الله تعالي في سورة الحج في كتابه الكريم :
وهذه الآية جاءت لتبين ما يشهده الحجاج ويفعلوه في الحج وقد ذهب المفسرون في تحديد هذه المنافع إلى منافع في الدنيا والأخرة فمنافع الدنيا ما قد يصيبه البعض من التجارة والعمل والتعارف والتقارب بين الحجاج وكل ما فيه مصلحة وفائدة دنيوية، ومنافع الأخرة الذكر والدعاء والاستغفار وقراءة القرآن وأعمال التقرب إلى الله وبقية مناسك الحج التي يرْتجي بها الحاج قبول حجه وعودته منه كيوم ولدته أمه .
ولا يختلف اثنان في أنه ليس من المنفعة للمسلم ولا من المصلحة لعموم المسلمين الدخول في مهاترات ومجادلات في الأيام العادية وهي في الحج أشد ضررا وأبعد ما تكون عن المنفعة بل هي أقرب إلى مفسدة النسك وبطلان الحج، إكراما وحرمة للزمان والمكان والنسك، وقد قال سبحانه وتعالى في سورة البقرة { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ } ﴿197﴾
ولا ننسى وعد نبينا الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ببيت في الجنة لمن ترك الجدال وإن كان على يقين بصدق قوله ، فقال عليه الصلاة والسلام :”أنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا .. إلى أخر الحديث”، وقال ابن مسعود رضى الله عنه : ( ذروا المراء؛ فإنه لا تفهم حكمته، ولا تؤمن فتنته). وقد أراد الله الخير لعباده إذ جعل الحج في الأشهر الحرم التي حفظ العرب لها احترامها ومكانتها منذ عهد نبي الله إبراهيم عليه السلام واستمر ذلك التقدير والتحريم حتى في جاهليتهم، وجاء سيدنا ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام فأقرهم عليها وعلى خصائصها وحرمتها ومن ذلك : حظر محاربة العدو أو البدء بالقتال فيها والحذر من الخطيئة والزلل فيها أكثر من غيرها، وكان الرجل يلقى قاتل أبيه وقاتل أخيه فيها ولا يعترضه تقديرا لحرمة الأشهر الحرم. ولعل التقدير أوجب وأولى في خير يوم طلعت عليه الشمس حيث يتنافس العباد حجاج وغير حجاج للفوز بما يمن عليهم ربهم بالإكثار من الدعاء وطلب الحاجات وكثرة المناجات والقربات وكل واحد منهم يرجو بكل جوارحه أن يكون ممن يغفر الله لهم في ذلك الموقف إذ يقول الله سبحانه وتعالى لملائكة السماء مباهيا بأهل عرفة : ” انظروا إلى عبادي ، أتَوْني شُعثًا غُبرًا من كلِّ فجٍّ عميقٍ ، أُشهِدُكم أنِّي قد غفرتُ لهم”.
فأي فوز يرتجى بعد ذلك وأي جائزة أكبر وأي منفعة ومصلحة في الدنيا والأخرة أثمن من مباهته سبحانه بهذا الحاج وإشهاد الملائكة على قبوله ومغفرته.
كل هذه المشاعر الروحانية رغم رقتها وبساطة أصحابها كانت الحصن المنيع والدرع الواقي لهم ضد دعاوي التحريض والتأجيج على خطيب يوم عرفة معالي الشيخ الدكتور محمد العيسى -حفظه الله وسدد خطاه- وتدلنا الصور التي نقلتها وسائل الإعلام للحجاج في مسجد نمرة مدى انسجامهم وتناغمهم مع الخطبة المختصرة المفيدة وطمعهم بساعات الإجابة التي قد لا يدركون مثلها، خاصة وأن ظروف الجائحة قد منعتهم من الحج عامين متتالين ولا يعلم أحدهم متى يمكنه العودة إلى هذا الموقف حاجا ملبيا، فهي فرصة العمر الكبرى ولا مجال لإضاعتها تحقيقا لرغبة حاقد أو جنون فاقد، يضيع معها نسكه ويحبط عمله.
إنهم حجاج بيت الله جاءوا ليشهدوا منافع لهم وليسوا دعاة فتن ولا مسعري حرب، فلا منفعة لهم ولا لكم في إفساد حجهم وقتل فرصتهم الأكبر في مغفرة الله، خاصة وهم يشهدون بأعينهم ما وصلت إليه الخدمات المقدمة والسبل الميسرة بهدف تسهيل الحج وتفريغ الحاج لأداء عبادته ونسكه في حجٍ أمن بكل يسر وسهولة وروحانية وخشوع بفضل الله ثم بفضل حكومة المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
وربما نسي المحرضون أو تناسوا أن هؤلاء جاؤوا ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات، فالحمد لله أن رد الله كيد أصحاب الفتن في نحورهم وأفسد دعاويهم وأباطيلهم، ومن المضحك المخزي أن نجد دعاة مقاطعة الخطبة والصلاة في يوم عرفة مستمرون في تحريضهم على مقاطعتهما إلى الآن؛ وقد أفاض الناس من عرفات وباتوا في مزدلفة وبلغوا منى وصلوا صلاة عيد الأضحى ورموا جمرة العقبة وهم ما لا يزالون ينفخون في الكير فيحرق ثيابهم وثياب من جالسهم.